باب النهي عن تمني الموت والدعاء به لضر نزل في المال والجسد
روى مسلم «عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي» أخرجه البخاري، وعنه قال: «قال رسول الله ﷺ: لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به
1 / 110
من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا» .
وقال البخاري: لا يتمنين أحدكم الموت: إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب.
البزار «عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة» .
فصل: قال العلماء: الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف وإنما
1 / 111
هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار، وهو من أعظم المصائب، وقد سماه الله تعالى مصيبة، وفي قوله ﴿فأصابتكم مصيبة الموت﴾ فالموت هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى.
قال علماؤنا: وأعظم منه الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وقلة التفكر فيه، وترك العمل له، وإن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن تفكر، وفي خبر يروى عن النبي ﷺ: «لو أن البهائم تعلم من الموت ما تعلمون ما أكلت منها سمينًا» .
ويروى أن إعرابيًا كان يسير على جمل له فخر الجمل ميتًا، فنزل الأعرابي عنه وجعل يطوف به ويتفكر فيه ويقول: مالك لا تقوم؟ مالك لا تنبعث، هذه أعضاؤك كاملة وجوارحك سالمة.
ما شأنك؟ ما الذي كان يحملك؟ ما الذي كان يبعثك؟ ما الذي صرعك؟ ما الذي عن الحركة منعك؟ ثم تركه وانصرف متفكرًا في شأنه.
متعجبًا من أمره.
1 / 112
وأنشدوا في بعض الشجعان مات حتف أنفه:
جائته من قبل المنون إشارةً ... فهوى صريعًا لليدين وللفم
ورمى بمحكم درعه وبرمحه ... وامتد ملقىً كالفتيق الأعظم
لا يستجيب لصارخ إن يدعه ... أبدًا ولا يرجى لخطب معظم
ذهبت بسالته ومر غرامه ... لما رأى حبل المنية يرتمي
يا ويحه من فارس ما باله ... ذهبت مروته ولما يكلم
هذي يداه وهذه أعضاؤه ... ما منه من عضو غدًا بمثلم
هيهات ما حبل الردى محتاجة ... للمشرفي ولا اللسان اللهذم
هي ويحكم أمر الإله وحكمه ... والله يقضي بالقضاء المحكم
يا حسرتا لو كان يقدر قدرها ... ومصيبة عظمت ولما تعظم
1 / 113
خبر علمنا كلنا بمكانه ... وكأننا في حالنا لم نعلم
وروى الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول.
حدثنا قتيبة بن سعيد والخطيب بن سالم.
عن عبد العزيز الماجشون.
عن محمد بن المنكدر قال: مات ابن لآدم ﵇ فقال يا حواء قد مات ابنك.
فقالت: وما الموت؟ قال: لا يأكل ولا يشرب.
ولا يقوم ولا يقعد.
فرنت.
فقال آدم ﵇: عليك الرنة وعلى بناتك أنا وبني منها برآء.
فصل: قوله: فلعله أن يستعتب.
الاستعتاب طلب العتبى.
وهو الرضى وذلك لا يحصل إلا بالتوبة والرجوع عن الذنوب.
1 / 114