Taʿṭīr al-anām fī taʿbīr al-manām
تعطير الأنام في تعبير المنام
Publisher
دار الفكر
Publisher Location
بيروت
لا تغيرهم الأرض فإدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراكًا للمثال ومعنى قوله فسيراني تفسير ما رأى لأنه حق وغيب فكأنما رآني أي أنه لو رآني يقظة لطابق ما رآه نومًا فيكون الأول حقًا وحقيقة والثاني حقًا وتمثلًا هذا إن رآه بصفته المعروفة وإلا فهو مثال فإن رآه مقبلًا عليه مثلًا فهو خير للرائي وعكسه بعكسه ومنهم القاضي عياض رحمه الله تعالى حيث قال قوله فقد رآني وفقد رأى الحق يحتمل المراد به أن من يراه بصورته المعروفة في حياته كانت رؤياه حقًا ومن رآه بغير صورته كانت رؤياه تأويلًا وتعقبه النووي رحمه الله تعالى فقال هذا ضعيف بل الصحيح أنه رآه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها وأجاب عنه بعض الحفاظ بأن كلام القاضي عياض لا ينافي ذلك بل ظاهر كلامه أنه رآه حقيقة في الحالين لكن في الأول لا تحتاج تلك الرؤيا إلى تعبير وفي الثانية تحتاج إليه ومنهم الباقلاني وغيره فإنهم ألزموا الأولين بأن من رآه بغير صفته تكون رؤياه أضغاثًا وهو باطل إذ من المعلوم أنه يرى نومًا على حالته اللائقة به مخالفه لحالته في الدنيا ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله فإن الشيطان لا يتمثل بي فالأولى تنزيه رؤياه ورؤيا شيء مما ينسب إليه عن ذلك فإنه أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في اليقظة فالصحيح أن رؤيته في كل حال ليست باطلة ولا أضغاثًا بل هي حق في نفسها وإن رؤي بغير صفته إذ تصور تلك الصورة من قبل الله تعالى فعلم أن الصحيح بل الصواب كما قاله بعضهم أن رؤياه حق على أي حالة فرضت ثم إن كانت بصورته الحقيقية في وقت سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهولته أو آخر عمره لم تحتج إلى تأويل وإلا احتيجت لتعبير يتعلق بالرائي ومن ثم قال بعض علماء التعبير من رآه شيخًا فهو في غاية سلم ومن رآه شابًا فهو في غاية حرب ومن رآه مبتسمًا فهو متمسك بسنته وقال بعضهم من رآه على هيئته وحاله كان دليلًا على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره بمن عاداه ومن رآه متغير الحال عابسًا كان دليلًا على سوء حال الرائي.
وقال ابن أبي حمرة رؤياه في صورة حسنة حسن في دين الرائي ومع شين أو نقص في بعض بدنه خلل في دين الرائي لأنه ﷺ كالمرأة الصقيلة ينطبع فيها ما يقابلها وإن كانت ذات المرآة على أحسن حال وأكمله وهذه الفائدة الكبرى في رؤيته ﷺ إذ بها يعرف حال الرائي ذكر هذا كله ابن حجر الهيثمي رحمه الله تعالى في شرح شمائل الترمذي وكذلك سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن الشيطان لا يتمثل بالله ولا بآياته ولا بالأنبياء ولا بالملائكة ﵈ فمن رأى نبينا محمد ﷺ لم يزل خفيف الحال وإن كان مهمومًا فرج عنه أو مسجونًا خرج من سجنه وإذا رأى في مكان حصار أو غلاء فرج عنهم ورخصت أسعارهم وإن كانوا مظلومين نصروا أو خائفين آمنوا ورؤيته ﷺ على ما وردت به السنة من صفاته التي لا يحسن واصف أن يعبر عنها فبشارة للرائي بحسن العاقبة في دينه ودنياه وعلى قدر ذاتك وصفاء مرآتك تنزل لك رؤيته ﷺ في المنام فإن رآه مقبلًا عليه أو معلمًا له أو مؤتمًا به في صلاته أو طريق أو أنه أعطاه شيئًا حسنًا أو كساه ملبوسًا لائقًا أو وعده أو دعا له بخير فإن كان الرائي أهلًا للملك ملك وكان في زمنه عادلًا حاكمًا بالحق يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإن كان عالمًا عمل بما علم وإن كان عابدًا بلغ منازل أهل الكرامات وإن كان عاصيًا تاب وأناب إلى الله تعالى وإن كان كافرًا اهتدى وربما بلغ قصده من علم أو قراءة أو عمارة باطن مع أميته لقوله تعالى: ﴿فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي﴾ . وإن كان الرائي خائفًا أمن من ذي سلطان ورزق شفيعًا مقبولًا لأنه صاحب الشفاعة وإن كان الرائي على بدعة وضلالة فليتق الله في نفسه خصوصًا إن رآه معرضًا عنه وربما قدمت على الرائي بشارة مفرحة وتدل رؤيته ﷺ على إظهار الحجج وصدق المقالة والوفاء بالعهد وربما نال من بين أهله وأقاربه مبلغًا لم يبلغه أحد منهم وربما حصلت له منهم العداوة والحسد والبغض وربما فارق أهله وانتقل من وطنه إلى غيره وربما أدركه اليتم من أبويه وقد تدل رؤيته ﷺ على إظهار الكرامات لأن الظبي سلم عليه والبعير قبل قدميه وأسري به إلى السماء وكلمه الذراع وسعت الأشجار إليه وإن كان الرائي من الكحالين الذين يعالجون الأبصار بلغ في صناعته مبلغًا لم يبلغه أحد لأنه ﷺ رد عين قتادة وإن كان الرائي في سفره وقد أجهد الناس العطش دل على نزول الغيث وانصباب الرحمة لأنه ﷺ نبع الماء من بين أصابعه عند عدم الماء وكذلك إن كان الناس في جهد وقحط دل على الشبع والرخاء والبركة من حيث لا يحتسبون وإن رأته امرأة بلغت رتبة عظيمة وشهرة صالحة وعفة وأمانة في نفسها وصيانة وربما ابتليت بالضرائر ورزقت نسلًا صالحًا وإن كانت ذات مال أنفقته في طاعة الله تعالى ورؤيته ﷺ تدل على الصبر على الأذى وإن رآه يتيم بلغ مبلغًا عظيمًا وكذلك وإن كان غريبًا وإن كان الرائي ممن يعالج
1 / 314