كل فلك فإنما يصح وجود الفعل عنه بعد وجوده بعدية بالذات ، أو كيفما كانت. ووجوده يتم إما على جسم أو على خلاء. ويستحيل أن يكون وجوده على جسم يكون معلولا له ، إذ قد ذكر أن وجود المعلول لا يصح إلا بعد وجود العلة بكمالها. ومحال أن يتم وجوده على خلاء لاستحالة وجود الخلاء. فهو إنما يتم وجوده على وجود جسم يصدران معا الحاوى والمحوى عن علة أخرى. وكذلك الحال فى النقطة المحركة للفلك وهى مذكورة فى غير هذا الموضع. لا يصح أن تكون الكثرة الحاصلة فى العقول الفعالة علة لكثرة شخصيته تحت نوع واحد حتى يصح أن تصدر جميع الأفلاك عن عقل واحد على أن تكون الأفلاك أشخاص نوع واحد ، لأن تلك الكثرة إما أن تكون مختلفة الحقائق وتتبعها أشياء مختلفة الحقائق والأنواع ، أو كثرة مختلفة لا فى الحقائق بل فى الأغراض ، ولا يصح ذلك إلا فى مادى ولا مادة هناك ، فالكثرة الحاصلة فى العقول يجب أن تكون كثرة فى الحقائق لا فى الأعراض. فإذن يجب أن يكون ما تختلف به معلولات تلك الكثرة اختلافا فى الحقائق ، فلا يصح صدور أشخاص كثيرة عن عقل واحد. فإذن أشخاص الفلك أنواع كثيرة يجب أن يكون لكل واحد منها علة كعلة الفلك الأقصى ، فتتكثر العقول على هذا الوجه.
الأنفس يجب أن تكون علتها مع الموحد أشياء تعين وتخصص ، وتلك هى الحركات.
كل ما وجوده له فهو (33 أ) مدرك ذاته ، وكل ما وجوده لغيره فذاك الغير يدركه. ولا ينعكس هذا فيكون كل ما يدركه غيره يكون وجوده لذلك الغير. وأيضا فإن الإدراك بالحس يوجب أن يكون هناك شيء علم أنه قد أدرك المحسوس بالحس ويكون غير الحس ، وهذا هو النفس لا محالة.
البارى يعقل كل شيء من ذاته لا من ذلك الشيء ولا من ذاته ولا من وجوده ولا حال من أحواله. فإنه إن كان يعقله لا من ذاته ، بل من خارج عن ذاته لكان فيه انفعال ، وكان هناك قابل لذلك المعقول لأنه يكون له بعد ما لم يكن ، ويكون على الجملة له حال لا تلزم عن ذاته ، بل عن غيره. وإذ هو مبدأ كل شيء فهو يعقل ذاته ويعقل ما هو مبدأ وهو العقل الفعال ، ويعقل أنه مبدأ له ويعقل ما بعده ولوازمه وما بعد ذلك إلى ما لا يتناهى ، ويعقل الأشياء الأبدية أنها أبدية والأشياء الفاسدة أنها فاسدة إذ يعقل أسبابها وعللها ولوازمها ، ويعقل الأشياء الزمانية والزمان إذ هو من لوازمها ، ويعقل المتحرك والحركة وأنها زمانية ومتحركة ، ويعقل الشخصيات من الفاسدات من جهة عللها وأسبابها كما لو تعقلها أنت من جهة عللها وأسبابها. مثلا إذا عقلت أنت أنه كلما
Page 97