Tabsira
التبصرة
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
كَانَ خُلَيْدٌ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: كُلُّنَا قَدْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ وَمَا نَرَى لَهُ مُسْتَعِدًّا، وَكُلُّنَا قَدْ أَيْقَنَ بِالْجَنَّةِ وَمَا نَرَى لَهَا عَامِلا، وَكُلُّنَا قَدْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ وَمَا نَرَى لَهَا خَائِفًا، فَعَلامَ تَعْرُجُونَ وَمَاذَا عَسَيْتُمْ تَنْتَظِرُونَ، فَهَذَا الْمَوْتُ أَوَّلُ وَارِدٍ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ بِخَيْرٍ أَوْ بِشَرٍّ. فَيَا إِخْوَتَاهُ سِيرُوا إِلَى رَبِّكُمْ سَيْرًا جَمِيلا.
(سَيَكْفِي بَعْضُ مَا فَاتَكْ ... فَلا تَأْسَ لِمَا فَاتَكْ)
(وَلا تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا ... أَمَا تذكر أمواتك)
دخل بَعْضُ الْعُبَّادِ عَلَى بَعْضِ الأُمَرَاءِ فَقَالَ لَهُ الأَمِيرُ: مَا أَزْهَدَكَ وَأَصْبَرَكَ. فَقَالَ: إِنَّ صَبْرِي جَزَعٌ مِنَ النَّارِ وَزُهْدِيَ رَغْبَةٌ فِي الْجَنَّةِ.
يَا غَافِلا فِي بَطَالَتِهِ، يَا مَنْ لا يَفِيقُ مِنْ سَكْرَتِهِ، أَيْنَ نَدَمُكَ عَلَى ذُنُوبِكَ، أَيْنَ حَسْرَتُكَ عَلَى عُيُوبِكَ، إِلَى مَتَى تُؤْذِي بِالذَّنْبِ نَفْسَكَ وَتُضَيِّعُ يَوْمَكَ تَضْيِيعَكَ أَمْسِكَ، لا مَعَ الصَّادِقِينَ لَكَ قَدَمٌ، وَلا مَعَ التَّائِبِينَ لَكَ نَدَمٌ، هَلا بَسَطْتَ فِي الدُّجَى يَدًا سَائِلَةً، وَأَجْرَيْتَ فِي السَّحَرِ دُمُوعًا سَائِلَةً.
(خَدَعَتْنَا زَخَارِفُ الآمَالِ ... فَلَهَوْنَا بِهَا عَنِ الآجَالِ)
(عَجَبِي مِنْ مُؤَمِّلٍ آمِنِ السِّرْبِ ... بِهَا وَهِيَ خُطَّةُ الأَوْجَالِ)
(نَحْنُ سَفْرٌ وَإِنَّمَا أَمْهَلَتْنَا ... رَيْثَمَا نَسْتَعِدُّ لِلتِّرْحَالِ)
أَسَفًا لِمَنْ إِذَا رَبِحَ الْعَامِلُونَ خَسِرَ، وَإِذَا أُطْلِقَ الْمُقَيَّدُونَ أُسِرَ، مَنْ لَهُ إِذَا خُوصِمَ فَلَمْ يَنْتَصِرْ، وَنَسِيَ يَوْمَ الرَّحْمَةِ فَمَا ذكر، فالجد جد أَيُّهَا الْغَافِلُ فَأَيَّامُ الْعُمْرِ كُلُّهَا قَلائِلُ.
سَجْعٌ على قوله تعالى
﴿فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم﴾ [لَوْ رَأَيْتَ الْعُصَاةَ وَالْكَرْبُ يَغْشَاهُمْ، وَالنَّدَمُ قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ وَكَفَاهُمْ، وَالأَسَفُ عَلَى مَا فَاتَهُمْ قد أضناهم، يتمنون العافية وهيهات مناهم، ﴿فأنى لهم
1 / 179