والمدن الموضوعة على جهة الجنوب يكون مياهها حارة كدرة متغيرة مالحة؛ فمن ذلك تسخن في الصيف وتبرد في الشتاء، وأبدان أهلها تكون رطبة لينة لما يتحلب إلى البدن من الرطوبات من رءوسهم، وتكثر نساؤهم الإسقاط بسبب الرطوبات، ولا يقدرون أن يكثروا الطعام والشراب لضعف رءوسهم؛ لأن كثرة ذلك تغم دماغهم وتغيره، وقليلا ما يعرض لهم الحميات الحارة.
والمدن الموضوعة في جهة الشمال وعلى إزائه مياهها يابسة رطبة ثقيلة النضج، وأهلها أقوياء أشداء عراض الصدور دقاق السوق، رءوسهم صحيحة يابسة، وأعمارهم طويلة لصحة أبدانهم وكثرة فضول الرءوس.»
36
وقد كشفت دراسة نرويجية حديثة نشرت عام 2015م أن دورة نشاط الشمس تؤثر على مدى طول عمر المولود الجديد وتؤثر في خصوبة المرأة. وأوضح العلماء من جامعة التكنولوجيا في النرويج، حسب موقع «روسيا اليوم» أن ارتفاع النشاط الشمسي في لحظة الولادة يخفض فرصة الوصول إلى مرحلة البلوغ. وتوصل العلماء إلى هذا الاستنتاج بعد دراستهم للمعطيات الإحصائية لأعمار آلاف الأشخاص الذين عاشوا في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. واستند العلماء في استنتاجهم من دراستهم للمعطيات الإحصائية خلال الفترة 1676-1878م التي حصلوا عليها من أرشيف الكنائس، وشملت 8600 مواطن نرويجي من مختلف الأعمار والجنس والحالة الاجتماعية والاقتصادية. وبعد مقارنتهم لهذه المعطيات بالمعلومات المسجلة عن النشاط الشمسي، توصلوا إلى علاقة ثابتة تفيد بأن الذين ولدوا في لحظة ارتفاع النشاط الشمسي عاشوا 5,2 سنوات أقل من الآخرين. وتوصلت الدراسة إلى أن التعرض لأشعة الشمس لفترة طويلة قد يسبب انحطاط حمض الفوليك (فيتامين ب) الذي يسبب نقصه الإصابة بأمراض مختلفة والوفاة المبكرة.
37
استند ابن الفقيه في أفكاره السابقة على ما طرح اليونانيون؛ فقد سبق وتكلم أبقراط وقسطوس (أو فسطوس) حول اتجاه البناء وأثره الصحي على ساكنيه.
قال ابن الفقيه: «قال أبقراط في كتاب «الأهوية والمياه والبلدان»: ما كان من الأمصار مقابل شرق الشمس فرياحه سليمة وماؤه عذب؛ فإن هذه المدينة قليلا ما يضرها تغيير الهواء. وكان يقول إن المياه التي تنبع من مواضع مشرقة ومن تلاع ورواب أفضل المياه وأصحها، وهي عذبة، وبلدانها أصح البلاد، ولا تحتاج إلى كثرة مزج الشراب، ولا سيما الشرقي والصيفي؛ لأنها تكون براقة طيبة الريح اضطرارا. وقال فسطوس في كتاب «الفلاحة»: أصلح مواضع البنيان أن يكون على تل أو كبس وثيق ليكون مطلا، وأحق ما جعلت إليه الأبواب والأفنية والكوى مشرقا واستقبال الصبا؛ فإن في ذلك صلاح الأبدان لسرعة ضلوع الشمس وضوئها عليهم، وأن توسع البيوت ويرفع سمكها، وتكون أبوابها إلى المشرق؛ لأن ريح الجنوب أشد حرا وأثقل وأسقم.»
38 (3) إخوان الصفا (القرن 4ه/10م)
أشار إخوان الصفا إلى تأثر الناس بطبيعة المنطقة التي يسكنونها أو ينشئون فيها. ولا يشمل التأثير الحالة النفسية، بل يتعداها إلى طريقة التفكير وطبيعة العمل واللغة والعادات.
قال إخوان الصفا: «إن أهوية البلاد والبقاع تختلف بحسب اختلاف تصاريف الرياح الأربع ونكباواتها،
Unknown page