13 (4) برقليس (القرن 5م)
في المسائل الطبيعية التي ناقشها برقليس
(توفي 485م) طرح تساؤل عن الدليل على أن الحرارة والبرودة قوتان فاعلتان، والرطوبة واليبوسة مفعولان بهما، فأجاب بمثال تطبيقي: «إنا إذا وضعنا أيدينا على جسم حار يؤلمنا حره، وكذلك إذا وضعنا أيدينا على جسم بارد آذانا برده. وأما الجسم المفرط اليبس إذا وضعنا أيدينا عليه لم يؤلمنا، وذلك كحجر إذا وضعنا أيدينا عليه لم يؤلمنا يبسه كما يؤلمنا حرارة النار وبرودة الثلج. وكذلك الشيء الندي الرطب إذا نحن وضعنا أيدينا عليه لم يؤثر فينا كأثر الحر والبرد؛ فإن قال قائل: ما بال العفص قد يخشن اليد ويقبضها؟ فنقول: إنه إنما يفعل ذلك فينا ويقوى لمكان البرد، ولولا ذلك لم يظهر منه هذا الفعل.»
14
ثم ناقش في مسألة أخرى حالة التنافر والتضاد التي نجدها بين الحرارة والبرودة، وهي الحالة التي لا تظهر بين الرطوبة واليبوسة، ويعود السبب في ذلك حسب رأيه إلى قوة وجود الحرارة والبرودة في النار والماء، في حين لم تكن الرطوبة واليبوسة بهذه القوة؛ لذلك لم تكن حالة التنافر بين الأخيرتين مماثلة لحالة الحرارة والبرودة. ويحدث أن يتنافر الهواء والأرض إذا وجدت قوة تدعم أحدهما وتقويه على الآخر.
قال: «ما بال الماء والنار إذا هما تلاقيا تنافرا وتضادا، والهواء والأرض قد يماس أحدهما صاحبه ولا يتنافران بينهما ولا يتضادان إذ هما متضادان؛ وذلك أن الهواء حار رطب والأرض باردة يابسة؟ فنقول: إن النار إذا لاقت الماء أو ماسته نافرته منافرة شديدة، ولا يخلو إما أن يقهرها وإما أن تقهره. وأما الهواء والأرض وإن اختلفا وتضادا فإنهما لا يتنافران؛ لأن الحرارة التي في النار قوة فاعلة، والبرد في الماء قوة فاعلة أيضا، واليبس في النار قوة مفعولة، والرطوبة في الماء قوة مفعولة أيضا؛ فإذا تلاقى الماء والنار نافرت النار الماء لقوة الحرارة الفاعلة فيهما، ولأن القوتين الفاعلتين - أعني الحرارة والبرودة - أقوى في النار والماء من القوة بين المنفعلتين - أعني الرطوبة واليبس اللتين في النار والماء - لذلك كانت منافرتهما ومضادتهما شديدتين، ولأن القوتين المفعولتين في الهواء والأرض أكثر من القوتين الفاعلتين، أعني الحر والبرد، لذلك لم تكن منافرتهما كمنافرة النار والماء اللذين فيهما القوتان الفاعلتان أغلب. ونقول أيضا إن الهواء والأرض قد يتضادان في مكان ما؛ لما فيهما من القوتين الفاعلتين؛ أعني الحر والبرد، ولكن لأن هاتين القوتين اللتين في الهواء ليستا بكثيرتين؛ لذلك لم تظهر منافرتهما كمنافرة النار والماء. وقد يتنافر الهواء والأرض، والأرض والهواء، إذا حركهما محرك من خارج فأضاف قوة فعله إلى فعلهما، فإذا أضيفت قوة الفاعل الذي في الهواء والأرض تنازعا وتضادا؛ وذلك لأن الهواء إذا دفعه دافع سمع له صوت أزال الحجر، وكذلك الحجر إذا وقع في الهواء أثر في الهواء فعلا قويا وهرب كل واحد منهما من صاحبه.»
15 (5) المفيدروس (القرن 5م)
كرر المفيدروس الألديري
Olympiodorus the Elder (كان حيا في القرن 5م) مقولة من سبقه لدى المقارنة بين الحرارة والبرودة فقال: «الحرارة والبرودة من الكيفيات الأول فاعلة قوية، والرطوبة واليبوسة ضعيفة منفعلة، بمنزلة المادة لتلك. وعلى هذا المثال توجد إذا قرنت اثنين مع اثنين، وواحدة مع واحدة؛ فالحرارة من الكيفيتين الفاعلتين أكثر فعلا، والبرودة أقل. ومن الكيفيتين المنفعلتين فاليبوسة أكثر انفعالا وأشبه بالمادة، والرطوبة أقل.»
16
Unknown page