Tabica Wa Ma Bacda Tabica
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Genres
1
أما الشر الفيزيقي أو الألم الجسماني والشعوري، فله فوائد لا يستهان بها، إنه حامي الحياة البدنية، ينبهنا إلى كل خطر يتهددنا، وهو مهماز الترقي يدفع بنا إلى التخلص من الألم فيفتق الحيلة ويقود إلى بحوث واختراعات لم تكن لتتسنى لنا لولاه. بل إنه شرط الفضيلة إذا كان نتيجة لرذيلة تبين حينئذ أنها يجب الإقلاع عنها. فضلا عن أنه إذا قبلناه وقدسناه كإرادة إلهية وامتحان رباني، كان كفارة للذنوب. فليس الألم ضدا للحكمة، أما الموت فحقيقته أنه ليس نهاية الحياة. ولكنه انتقال إلى حياة جديدة سعيدة إذا كنا صالحين. وأخيرا لنا أن نقول: إن عدد اللذات يربو على عدد الآلام، بدليل أن كل كائن ذي شعور يؤثر الحياة على الموت.
وأخيرا الشر الخلقي، وهو أكثر الشرور خطورة، وأشدها منافاة لله الطاهر القدوس. لكن ليس يمكن أن يكون الله علة هذا الشر من قريب ولا من بعيد. بيد أنه منح الإنسان منحة عظمى إذ خلقه حرا، فكيف يمنع الإرادة الحرة من فعل الشر إلا بتجريدها من حريتها وحطها إلى مستوى الحيوان؟ وكيف يجردها من حريتها، والحرية من صميم الطبيعة العقلية. وإذا لم يكن للشر ذات، وكان مجرد عدم الخير، فليست الإرادة بحاجة إلى البحث عن فاعله، وليس للعدم فاعل . هذه ردودنا بكل اختصار على الاعتراض بالشر على وجود الله، تنزل به إلى درجة باقي المسائل الخلافية. وعلى المعترضين أن يذكروا أن الإنسان علة مسئولة لكثير من آلامه، يسببها ويزيد فيها بأهوائه، من غيرة وحسد وحب للذات وطلب للذة غير المشروعة؛ فلا يطرحوا عن كواهلهم تلك المسئولية ولا يلقوا بها على الله. (3) التفاؤل
المؤمنون متفائلون طبعا. إنهم واثقون بكمال الله وطيبته وعدالته، فلا يخشون ظلما ولا إعراضا. إنهم واثقون أنه لا يدع للأحداث الكونية الغاشمة أصحاب الإرادة الصالحة والضمير النقي. غير أنهم يختلفون في معنى التفاؤل، وينقسمون فريقين: فريق يرى أن الكمال الإلهي يقضي بأن يكون العالم خير العوالم الممكنة؛ لأن الكامل لا يحتمل أي نقص. قال أفلاطون (في محاورة تيماوس): إن الله خير الموجودات، فليس يمكن أن يكون قد صنع إلا خير مصنوع. وقال سبينوزا: «لما كان العالم ناشئا من النمو الضروري للطبيعة الإلهية، فيلزم أن يكون حاصلا على أعلى مرتبة من الكمال.»
وهذا هو التفاؤل المطلق، يلتقي فيه بعض الأحاديين وبعض المؤمنين. وهو يضيف إلى العالم أعلى كمال، ويقصر حرية الخلق على هذا الكمال الأعلى. ولكنا نلاحظ أن «خير عالم» فكرة لا تتصور؛ إذ ليس يوجد وليس يمكن أن يوجد حد أخير للحسن والكمال، ومهما يكن حسن العالم فيمكن دائما أن تتصور حسنا أعظم بالزيادة والإصلاح، وحقيقة المصنوع أنه متناه من حيث إنه محدث، فالمسألة بينه وبين الكمال مسافة لامتناهية، فيستحيل أن يصنع لامتناهيا، والاستحالة آتية هنا منه لا من الله القادر على جميع الممكنات.
إذا لم يكن التفاؤل المطلق جائزا، فإنه يدع مجالا لتفاؤل نسبي أساسه ما في العالم من كمال وجمال ولذة. واعتمادا على حكمة الله وجوده نستطيع أن نعتقد أن العالم الراهن خير عالم، مع إمكان كونه خيرا مما هو. يلوح أن أنصار التفاؤل المطلق يعتقدون أن الخير الأقل هو شر، وأن الخير إما أن يكون كاملا، أو ألا يكون خيرا. ولكن كل شيء يحتوي على درجة من الوجود ومن الكمال، فهو خير ويمكن أن يكون موضوعا لإرادة عاقلة.
هوامش
خاتمة
تسبيح وتمجيد (1) الدين
خلاصة الكلام في الله أن من الضروري وضع علة أولى، وأن العلة الأولى فعل محض، موجودة بذاتها، فلا تغاير في الله بين ماهية ووجود، بينما الوجود ليس متضمنا في ماهيات المخلوقات، ولا داخلا في تعريفها، وإلا لوجدت دائما وعلى حال واحدة كالماهية، فالعلة الأولى هي الوجود القائم بذاته، وهي حاصلة على الصفات الواجبة للموجود بذاته، وعلينا أن نحتفظ بالبساطة كصفة أساسية، وأن نتصور الصفات بطريق التناسب من طريقي التشكيك.
Unknown page