Tabaqat al-sufiyyat
طبقات الصوفية
Investigator
مصطفى عبد القادر عطا
Publisher
دار الكتب العلمية - بيروت
Edition Number
الأولى، 1419هـ 1998م
ما حملني على مفارقة أبوي والخروج من مالي إلا حب الأثرة لله ومع ذلك الزهد في الدنيا والرغبة في جوار الله تعالى
فقال إياك والبخل قلت ما البخل فقال أما البخل عند أهل الدنيا فهو أن يكون الرجل بخيلا بماله وأما الذي عند أهل الآخرة فهو الذي يبخل بنفسه عن الله تعالى ألا وإن العبد إذا جاد بنفسه لله أورث قلبه الهدى والتقى وأعطى السكينة والوقار والعلم الكامل ومع ذلك تفتح له أبواب السماء فهو ينظر إلى أبوابها بقلبه كيف تفتح وإن كان في طريق الدنيا مطروحا
فقال له رجل من أصحابه اضربه فأوجعه فإنا نراه غلاما قد وفق لولاية الله تعالى قال فتعجب الشيخ من قول أصحابه قد وفق لولاية الله تعالى فقال لي يا غلام أما إنك ستصحب الأخيار فكن لهم أرضا يطأون عليك وإن ضربوك وشتموك وطردوك وأسمعوك القبيح فإذا فعلوا بك ذلك ففكر في نفسك من أين أتيت فإنك إذا فعلت ذلك يؤيدك الله بنصره ويقبل بقلوبهم عليك اعلم أن العبد إذا قلاه الأخيار واجتنب صحبته الورعون وأبغضه الزاهدون فإن ذلك استعتاب من الله تعالى لكي يعتبه فإن أعتب الله عز وجل أقبل بقلوبهم عليه وإن تمرد على الله أورث قلبه الضلالة مع حرمان الرزق وجفاء من الأهل ومقت من الملائكة وإعراض من الرسل بوجوههم ثم لم يبال في أي واد يهلكه
قال قلت إني صحبت وأنا ماش بين الكوفة الكوفة ومكة رجلا فرأيته إذا أمسى يصلي ركعتين فيهما تجاوز ثم يتكلم بكلام خفي بينه وبين نفسه فإذا جفنة من ثريد عن يمينه وكوز من ماء فكان يأكل ويطعمني قال فبكى الشيخ عند ذلك وبكى من حوله ثم قال يا بني أو يا أخي ذاك أخي داود ومسكنه من وراء بلخ بقرية يقال لها الباردة الطيبة وذلك أن البقاع تفاخرت بكينونة داود فيها يا غلام ما قال لك وما علمك
Page 39