Tabaqat Saniyya
الطبقات السنية في تراجم الحنفية
Genres
Biographies and Classes
فلما بلغ السلطان ذلك عزله عن القضاء، ووقع بينهما بسبب ذلك منافرة ووحشة.
فرحل الكوراني إلى الديار المصرية، وكان سُلطانها إذ ذاك الملك الأشرف قايتباي، فأكرمه غاية الإكرام، وأقبل عليه الإقبال التام، وأقام عنده مدة، وهو على نهاية من الإجلال والتعظيم.
ثم إن السلطان محمدًا ندم على ما فعل، وأرسل إلى قايتباي، يلتمس منه إرسالة إليه، فذكر ذلك للكوراني، ثم قال: لا تذهب إليه؛ فإني أكرمك فوق ما يكرمك.
فقال له الكوراني: نعم أعرف ذلك، إلا أن بيني وبينه محبة أكيدة، كما بين الوالد والولد، وما وقع بيننا من التنافر لا يُزيلها، وهو يعرف أني أميل إليه بالطبع، فإذا امتنعت من الذهاب إليه، لا يفهم إلا أن المنع كان من جانبك، فتقع بينكما عداوة.
فاستحسن السلطان قايتباي منه ذلك، وأهب له ما يحتاج إليه في السفر، ووهبه مالًا جزيلًا، وأرسل معه بهدايا عظيمة إلى السلطان محمد خان.
فلما وصل إليه أكرمه فوق العادة، وفوض إليه قضاء بروسة، فأقام به مدة.
ثم فوض إليه منصب الفتوى بالديار الرومية، وعين له كل يوم مائتي درهم، وكل شهر عشرين ألف درهم، وكل سنة خمسين ألف درهم، سوى ما كان يتفقده به من الهدايا والتحف، والعبيد والجواري.
وعاش في كنف حمايته في نعم وافرة، وإدرارات مُتكاثرة.
وصنف هُناك " تفسير القرآن الكريم "، وسماه " غاية الأماني في تفسير السبع المثاني "؛ أورد فيه مؤاخذات كثيرة، على العلامتين الزمخشري والبيضاوي، رحمهما الله تعالى، وصنف أيضًا " شرح البخاري "، وسماه " الكوثر الجاري على رياض البخاري "، رد في كثير من المواضع فيه على الكرماني، وابن حجر، وصنف " حواشي " لطيفة مقبولة على " شرح الشاطبية " للجعبري.
وكانت أوقاته كلها مصروفة في التأليف والفتوى، والتدريس والعبادة.
وتخرج به جماعة كثيرة.
حُكي عنه أنه كان يختم القرآن في أكثر لياليه، يبتدي فيه بعد صلاة العشاء الآخرة، ويختمه عند طلوع الفجر.
وكان رجلًا طوالًا، مهيبًا، كبير اللحية، وكان يصبغها، وكان قوالًا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، يخاطب السلطان والوزير باسمهما، وإذا لقي أحدًا منهما يسلم ﵇ الشرعي، ولا ينحني له، ويصافحه، ولا يقبل يده، ولا يذهب إلى السلطان إلا إذا دعاه، وكان كثير النصيحة لمخدومه السلطان محمد، قوي القلب في الإقدام بها عليه.
ومما يُحكى عنه، أنه قال مرة لمخدومه المذكور مُعاتبًا: إن الأمير تيمور أرسل بريدًا في مصلحة من المصالح المهمة، وقال له: إن احتجي في الطريق إلى فرس فخذ فرس كل من لقيته، ولو كان ابي شاه رخ.
فتوجه البريد إلى ما أمر به، فلقي في طريقه العلامة سعد الدين التفتازاني، وهو نازل في بعض المواضع، وخيله مربوطة بإزاء خيمته، فأخذ البريد منها فرسًا واحدًا، فظهر السعد إليه من الخيمة، وأمسكه وأخذ الفرس منه، وضربه ضربًا شديدًا.
فرجع البريد إلى تيمور، وأخبره بذلك، فغضب غضبًا شديدًا، ثم قال: لو كان ابني لقتلته، ولكن كيف أقتل رجلًا ما دخلت إلى بلدة إلا وقد دخلها تصنيفه قبل دخول سيفي.
ثم قال الكوراني: إن تصانيفي تقرأ الآن بمكة، ولم يبلغ إليها سيفك.
فقال له السلطان محمد خان: نعم، كان الناس يكتبون تصانيفه، ويرحلون من سائر الأقطار إليها، وأما أنت فكتبت تصنيفك، وأرسلت به إلى مكة.
فضحك الكوراني، واستحسن هذا الجواب غاية الاستحسان.
وفضائل الكوراني ومناقبه كثيرة جدًا، وفيما ذكرناه منها مقنع.
وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، بمدينة قسطنطينية، ودفن بها، وكان له جنازة حافلة، حضرها السلطان فمن دونه، وكثر البكاء عليه، وتأسف الناس على فراقه، رحمه الله تعالى.
١٤٤ - أحمد بن إسماعيل بن محمد
ابن صالح بن وهيب بن عطاء بن جبير بن جابر
ابن وهيب الأذرعي الأصل، الدمشقي
نجم الدين، المعروف بابن الكشك
ولد سنة عشر وسبعمائة تقريبًا.
وأجاز له أبو محمد القاسم بن المظفر بن عساكر الطبيب، ويحيى بن محمد بن سعيد، وأبو بكر ابن مُشرف، وأبو عبد الله ابن أبي الهيجاء بن الزراد، وزينب بنت عمر بن شكر، وجماعة غيرهم.
وسمع " الصحيح " من أبي العباس ابن الشحنة، وسمع من غيره.
1 / 83