حقيقة لا يريد البعض أن يراها فينا، نحن القوميين الاجتماعيين، لغرض في النفس، ولا يراها آخرون؛ لأن شعاع وضوحها يبهر الأبصار.
في كل قطر، وفي كل زمن، أثبتت الحوادث أن أصحاب النكتة المستمرة يستفيقون فجأة ليكتشفوا أنهم كانوا يضحكون بالمقلوب.
البوابة ...!
من احتقر نفسه، لن يحترمه الناس. وعلماء النفس يثبتون أن من عوامل تقوية الشخص لنفسه أن يحدث نفسه أنه قوي، بل من الشروط الأولية في تربية الصغير أن تؤكد له أنه ذو شأن وأن تظهر له الإعجاب.
أما الأكثرية الساحقة - اللفظة مزدوجة المعنى - من شعب هذه البلاد في عشرات السنوات الأخيرة، فقد كانت تنطق بلسان أكثر قادتها ومتزعميها أننا أمة انتهى أمرها؛ فطلبنا القوة من سلاطين بني عثمان، وصحنا «الله وفرنسا»، وتغنينا بأسطول إنكلترا، ورفعنا علما هو من وبر الجمال، وحلفنا يمين الوفاء لموسكو، وللقياصرة، ولويلسون، ولعلم النجوم والخطوط. انتظرنا القوة ترسل إلينا طردا في البريد من مختلف أنحاء الدنيا، وغفلنا عن حقيقة أمر يقره علم النفس، وهو أن القوة كامنة في نفوسنا.
إن العقيدة القومية أيقظت في صدور أبنائها هذه الحقيقة الاجتماعية ورسختها. قالت للناس وبرهنت للناس أن قوانا هي فينا، ولم يكن هذا القول بيانا وكلاما منمقا ولا تملقا يبتغي استهواء الجماهير.
انظر ماذا فعل اليهودي حين حدث نفسه بأنه قوي، اليهودي الذي كان حتى سنوات سلفت رمز الجبن والانهزام، وهدف الاضطهاد، صار شجاعا بطاشا مضطهدا سيدا على نفسه وعلى سواه. واعتبر في الصينيين واقرأ بأي بطولة هم يحاربون في شمال كوريا، ثم اسألني وسل أي شخص عرف الصينيين في الماضي كيف كان يسوقهم الكرباج، ويذعرون من عطسة.
الإنسان هو بعض الله، والله قوي. وكل ما يحتاجه المرء لأن يستشعر بقوته وأن يمارسها هو أن تهزه، والقومية الاجتماعية هزت نفوس معتنقيها. هذه هي فضيلتها الأولى ، وهذا هو السبب الأول الذي حدا بي إلى اعتناقها، وهذا ما يوجب عليك يا مواطني أن تقبل على تفيؤ علمها.
غير أن المسكنة والخنوع والاستسلام ليست وحدها من مظاهر الحقارة والضعف. إني أذكرك بأن العلم - علم النفس - أثبت أن الاستعلاء هو بعض مظاهر الصغارة والجبن، كل بهوار جبان، كل متعجرف صعلوك؛ لذلك ما هو بكبر ما تسمعه من تبجح بماض وبحاضر، بل هو حقارة انتفخت.
إن التطلع إلى الكراسي هو الدليل الأكبر على أن المتطلعين إليها هم أدنى منها. كانت إحدى سيدات المجتمع حين تدعو العظماء إلى مائدتها لا تهتم بالبروتوكول في توزيع المقاعد بحجة «أن الذين لهم شأن لا يهمهم أين يجلسون، والذين يهمهم أين يجلسون ليس لهم شأن؛ فلا ضير إن استاءوا».
Unknown page