14 (9-25) إذا شئت أن تتأمل شيئا ما فاتجه مباشرة إلى صورته وقيمها بمعزل عن العنصر المادي، ثم حدد الزمن؛ أقصى زمن قدرت الطبيعة لشيء على هذه الصورة أن يدوم.
15 (9-26) لقد احتملت من الكوارث ما لا يحصى عددا؛ لأنك لم تدع عقلك الموجه يفعل ما خلق لكي يفعله، ولكن بحسبك ذاك. (9-27) إذا لامك شخص آخر أو كرهك، أو تحدث الناس عنك بما يسوء، فاقترب من نفوسهم المسكينة وانفذ إليها لترى أي صنف من البشر هم. ولسوف تكتشف أنه ليس ثم ما يدعو إلى الابتئاس لرأيهم فيك، ولكن عليك أيضا أن ترفق بهم؛ فهم رفاقك بالطبيعة. والآلهة أيضا تعينهم بشتى الطرق، بالأحلام، بالرؤى، للحصول على ما يروقهم.
16 (9-28) يكرر العالم نفس الحركات الدورية، أعلى وأسفل، من عصر إلى عصر؛ فإما أن عقل العالم يتحرك خصيصا لكل حالة على حدة، وفي هذه الحالة عليك أن ترضى بالنتيجة. وإما أنه تحرك حركة أصلية واحدة يتسلسل عنها كل شيء كنتيجة، وماذا يضيرك في ذلك؟ وباختصار؛ إذا كان ثمة إله فبها ونعمت، وإذا كانت المصادقة هي التي تسير العالم لغير غاية، فإن عليك أن تخلق غايتك لنفسك.
توشك الأرض أن تطمرنا جميعا، ثم ما تلبث الأرض أيضا أن تتغير، ثم تتوالى التغيرات إلى غير نهاية. فإذا ما تأمل المرء التبدلات والتحولات التي يتلو بعضها بعضا كالأمواج، وحين يتأمل سرعة تدفقها، فلسوف تهون في عينه كل الأشياء الفانية الهالكة. (9-29) السبب الكوني أشبه بسيل جارف يكتسح كل شيء في طريقه. إذن، ماذا يعني ذلك عندك أيها الإنسان؟ اعمل ما تقتضيه الطبيعة في هذه اللحظة. شمر للأمر ما دام في قدرتك ولا تنظر حولك لترى هل كان أحد يلحظك. لا تؤمل في جمهورية أفلاطون الطوباوية، بل اقنع بأصغر خطوة إلى الأمام، ولا تستهن بهذا الإنجاز. ما أتفه أولئك البؤساء الذين ينخرطون في الأمور السياسية ويظنون أن أعمالهم لها صفة فلسفية! إنهم جميعا يهرفون. ومن ذا يستطيع أن يغير آراءهم؟ وبدون تغير الرأي ماذا هناك غير العبودية؛ أناس يئنون وهم يتظاهرون بالطاعة؟
17
امض إذن، وحدثني الآن عن الإسكندر وفيليب
18
وديميتريوس الفاليري؛ فقد كنت خليقا أن أتبعهم لو أنهم رأوا ما تريده طبيعة العالم وتتلمذوا عليها. أما إذا كانوا ببساطة يمثلون أدوار أبطال الدراما، فأنا بحل من أن أقلدهم. بسيطة هي ومتواضعة مهمة الفلسفة، فلا تمل بي إلى الخيلاء والغرور. (9-30) خذ نظرة من فوق؛ انظر إلى ألوف القطعان والأسراب، وألوف الشعائر والاحتفالات الإنسانية، وما لا يحصى من ضروب الترحال في العاصفة والهدأة، وألوان الاختلاف بين من يولدون ومن يعيشون معا ومن يموتون. واذكر أيضا الحيوات التي عاشها أناس قبلك بزمن طويل، وتلك التي ستعاش من بعدك، وتلك التي تعاش الآن بين الأمم البربرية، وكم من الناس لم يسمع حتى باسمك، وكم منهم سوف ينسى اسمك في القريب العاجل، وكم من الناس قد يمدحك الآن ثم لا يلبث أن يلومك، وأن لا قيمة البتة لأي ذكرى (بعد الوفاة) أو شهرة أو أي شيء آخر على الإطلاق.
19 (9-31) لا تعكر صفوك بأي شيء يأتي من الأسباب الخارجية، وتقبله بهدوء. أما الذي تأتيه أنت بسبب من إرادتك الداخلية فليكن كله عدلا وقصدا. وبعبارة أخرى، ليكن سعيك وفعلك مفضيا إلى المسلك الاجتماعي الذي هو تعبير عن طبيعتك الخاصة. (9-32) بوسعك أن تنحي الكثير من المنغصات غير الضرورية التي تكمن بأكملها في حكمك أنت. عندئذ ستوفر لنفسك مكانا رحبا بأن تفهم الكون كله وتستوعبه في عقلك، وبأن تتفكر في أبدية الزمان، وتتأمل في التغير السريع الذي يعتري كل شيء في كل جانب؛ ما أضيق البون بين الميلاد والفناء، وما أوسع الفجوة الزمنية التي سبقت مولدك والفجوة اللانهائية المماثلة التي تعقب فناءك. (9-33) كل ما تراه سوف يزول سريعا، وأولئك الذين يشهدون زواله سوف يزولون هم أنفسهم. مت في أرذل العمر أو مت قبل أوان موتك ... كلاهما سيان. (9-34) ما الذي يوجه عقول هؤلاء الناس؟ ماذا يشغل بالهم؟ ماذا يحكم خياراتهم وتفضيلاتهم؟ درب نفسك على أن تنظر إلى نفوسهم عارية مجردة. فإذا كانوا يظنون أنهم يضرون بملامهم أو ينفعون بمديحهم، فهم جد واهمين. (9-35) الفقدان ليس أكثر من تغير. طبيعة العالم تفرح بالتغير، وكل ما يجري من الطبيعة إنما يجري من أجل الخير.
20
Unknown page