16
غير الفارقة
indifferentia ، شأنه شأن الشمس أو الريح أو الحيوان البري. قد تعيقني هذه الأشياء عن بعض نشاطي، نعم، ولكنها لا تشكل عوائق أمام وجداناتي ونوازعي؛ من حيث إن بها يقبع الالتزام المشروط وقوة التكيف. إن العقل ليتكيف ويدور حول أي عائق للفعل لكي يخدم هدفه؛ فيحول ما هو عائق عن عمل معين إلى معين على ذلك العمل، ويحول العقبة في طريق ما إلى تقدم على تلك الطريق. (5-21) وقر القوة الجوهرية في العالم؛ إنها ما يصرف الأشياء جميعا ويوجه الأشياء جميعا، على أن توقر بالمثل القوة الجوهرية في نفسك؛ فهذه مثيلة لتلك. وهذه فيك أيضا هي ما يصرف كل ما عداها، وحياتك موجهة بها.
17 (5-22) ما لا يضير المدينة لا يضير مواطنيها أيضا. ومتى وقع في ظنك أن قد مسك ضر فطبق هذا المعيار: إذا كانت المدينة بخير فأنا إذن بخير. أما إذا لحق أذى حقا بالمدينة فإن عليك ألا تغضب بل أن تبين لمرتكبه ما عجز عن رؤيته بنفسه. (5-23) انظر مليا كيف يزاح كل ما هو قائم وكل ما هو قادم ويصير ماضيا ويزول زوالا. الوجود مثل نهر في تدفق دائم، وأفعاله تعاقب ثابت للتغير! وأسبابه لا تحصى في تنوعها. لا شيء يبقى ثابتا حتى ما هو حاضر عتيد. تأمل أيضا الهوة الفاغرة للماضي والمستقبل التي تبتلع كل شيء. أليس بأحمق من يعيش وسط هذا كله ثم تحدثه نفسه أن يلج في الأمل أو يهلك في الكفاح أو يسخط على نصيبه؟! وكأن أي شيء من هذا دائم له أو مقدر أن يؤرقه طويلا. (5-24) انظر في الوجود كله؛ الذي أنت أصغر أجزائه، وانظر في الزمان كله، الذي قسمت لك منه لحظة وجيزة وهاربة، وانظر في القدر وما هو معقود بالقدر، وكم أنت جزء ضئيل منه. (5-25) هل أساء إلي شخص آخر؟ دعه وشأنه. إنه سيد نزعاته وسيد أفعاله. أما أنا فأملك ما تقتضيني الطبيعة الكلية أن أملك، وسوف أفعل ما تقتضيني طبيعتي أن أفعل. (5-26) ينبغي أن يبقى الجزء الموجه والحاكم من نفسك محصنا من أي مجرى يجري في الجسد. (5-27) «عش مع الآلهة»، وإنه ليعيش مع الآلهة ذلك الذي يرون أن روحه قانعة بنصيبها، تؤدي ما تمليه الألوهة ... ذلك الشطر من نفسه الذي وهبه زيوس لكل شخص لكي يحرسه ويرشده. هذه الألوهة في كل منا هي فهمه وعقله. (5-28) هل أنت محنق على الرجل المنتن أو الأبخر؟ ماذا تريده أن يفعل؟ هكذا حال فمه وهكذا حال آباطه. ومن المحتم أن تنبعث هذه الروائح من هذه الأشياء. - «ولكنه أعطي عقلا بوسعه إذا شاء أن يكتشف مكمن الأذى منه.» - أفادك الله، إذن أنت أيضا لست أقل منه عقلا. فليكن عقلك محفزا لعقله وأظهره على خطئه، ابذل له النصح. فإذا ما استمع إلى نصحك فسوف تبرؤه من دائه، ولا داعي إلى الغضب. لا تكن منافقا (تتجنب المسألة) ولا بغيا (تحتملها)! (5-29) بمقدورك أن تعيش هنا في هذا العالم تماما مثلما تعتزم أن تعيش إذا ما غادرته، ولكن إذا لم يكن ذلك متاحا لك فإن عليك أن ترحل عن الحياة ذاتها. على ألا ترحل كما لو كان ذلك إحدى البلايا «الحريق يدخن فأغادر المنزل».
18
لماذا تعد ذلك أمرا جللا؟
ولكن ما دمت غير مضطر لمثل ذلك فلسوف أبقى رجلا حرا لا يملك أحد أن يمنعني من أن أفعل ما أود فعله؛ وما أود فعله هو أن أتبع ما تمليه طبيعة الكائن العاقل والاجتماعي. (5-30) فكر «الكل» هو فكر اجتماعي. ومن المتيقن أنه جعل الأشياء الدنيا من أجل الأشياء العليا، وسلك الأشياء العليا في تناغم بعضها مع بعض. ألا ترى كيف سخر بعض المخلوقات، ونسق بين البعض، ووضع كلا في مكانه اللائق، وضم الكائنات العليا معا في وحدة العقل؟ (5-31) كيف كان مسلكك حتى الآن تجاه الآلهة، وتجاه والديك وإخوتك وزوجك وأبنائك ومعلميك ومربيك وأصدقائك وأقاربك وخدمك؟ هل كان مبدؤك مع كل هؤلاء هو «لا تؤذ إنسانا بالقول ولا بالفعل»؟ ذكر نفسك كم قاسيت وكم تحملت، وأن رواية حياتك قد تمت الآن وخدمتك قد انتهت، وكم شهدت من جمال، كم ازدريت من لذة وألم، وكم ازدريت من مجد، وكم كنت طيبا مع غير الطيبين. (5-32) لماذا تعمد النفوس الجاهلة والحمقاء إلى مضايقة من لديه معرفة وحكمة؟ حسن، أية نفس إذن تلك التي لديها معرفة وحكمة؟ إنها تلك النفس التي تعرف الأصل والغاية، وتعرف «العقل» الذي يتخلل الوجود كله ويدير العالم عبر الزمان كله في دورات ثابتة. (5-33) سرعان ما ستصير رمادا أو عظاما، مجرد اسم أو حتى لا اسم، والاسم ماذا يكون غير صوت وصدى؟ وكل ما نعليه ونغليه في الحياة هو شيء فارغ وعفن وتافه؛ جراء يعض بعضها بعضا، وأطفال تتشاجر ... تضحك ... وما تلبث أن تبكي. أما الإخلاص والشرف والعدل والصدق فتفر «إلى أوليمبوس من كل أرجاء الأرض المترامية».
19
إذن ماذا تبقى لنا هنا لنبقى؟ إذا كانت موضوعات الحس متبدلة دوما ولا تبقى على حال، وأعضاء الإدراك كليلة مضللة، والنفس المسكينة ذاتها مجرد بخرة من الدم، والصيت في هذا العالم شيئا فارغا. لماذا إذن لا ترتقب نهايتك ساكنا مطمئنا فإما فناء وإما تحول، وإلى أن يحين ذلك فماذا يلزمنا؟ أن نمجد الآلهة ونحمدها،
20
Unknown page