ضع هذا إذن نصب عينيك كلما شرعت في عمل، أيا كان، وأيما شيء تؤديه فأده أداء رجل صالح بالمعنى الدقيق للرجل الصالح، والزم ذلك في كل فعل. (4-11) لا تحكم على الأمور كما يحكم عليها من آذاك، أو كما يريدك أن تحكم، بل انظر إلى الأشياء كما هي عليه في الحقيقة. (4-12) كن دائما على استعداد للعمل بهذين المبدأين؛ أولا: ألا تفعل إلا ما يملي عليك العقل الحاكم والمشرع أن تفعله لخير الإنسانية. ثانيا: أن تغير موقفك إذا كان هناك في الحقيقة من يصحح لك رأيا ما ويرشدك إلى ما هو أقوم. على أن ينبع هذا التحول عن اقتناع بالعدل أو بالخير العام، وأن تعدل مسارك وفقا لذلك وليس لمجرد اللذة أو الشعبية. (4-13) هل تملك عقلا؟ - «نعم.» - ولماذا لا تستعمله إذن؟ فإذا كان هذا يؤدي وظيفته فماذا عساك تطلب أكثر من ذلك؟ (4-14) لقد وجدت كجزء من الكل. ولسوف تتلاشى في ذلك الذي أتى بك، أو بالأحرى سوف تسترد مرة ثانية، بالتحول العنصري، إلى المبدأ المولد (للعالم). (4-15) حبات بخور كثيرة على نفس المذبح. إحداها تسقط أولا، الأخرى لاحقا ... لا فرق.
6 (4-16) خلال عشرة أيام سوف تبدو إلها لأولئك الذين تبدو لهم الآن بهيمة أو قردا، إذا ما عدت إلى مبادئك وإلى عبادة العقل. (4-17) لا تتصرف كما لو كنت سوف تعمر آلاف السنين. الموت يترصدك؛ فما دمت تعيش، وما دام بإمكانك ... كن خيرا. (4-18) ما أهنأ باله ذلك الذي لا يتطلع إلى ما يقوله جيرانه وما يفعلون وما يفكرون، بل ينصرف إلى أفعاله هو ليجعلها عادلة موقرة مشربة بالخير. لا تلتفت إذن إلى الشخصيات السوداء عن يمينك وشمالك، بل امض أمامك سعيا في الطريق المستقيم لا تنحرف عنه. (4-19) لا يدرك المتلهف على المجد وبقاء الذكر أن كل واحد من مخلدي ذكره سوف يموت هو نفسه عاجلا جدا، وكذلك سيكون حال الأخلاف جميعا إلى أن تنطفئ ذكراه تماما في انتقالها عبر أناس يعجبون ببلاهة ويفنون. وحتى لو افترضنا خلود من يذكرونك وخلود ذكراك فماذا يجديك من ذلك؟ وليست أعني مجرد جدواه للموتى بل للأحياء أيضا؛ ما جدوى المديح (إلا أن يكون ذا نفع إجرائي معين)؟ لكأني بك ترفض هبة الطبيعة التي أودعتك إياها والتي لا تعتمد على أقوال الآخرين، وتتشبث بشيء آخر ...
7 (4-20) كل ما هو جميل على أي نحو من الأنحاء إنما هو جميل «في ذاته»، يذخر جماله في لبه وصميمه وليس المديح جزءا منه؛ فالمديح لا يجعل الشيء أفضل مما هو ولا أسوأ،
8
يسري ذلك على ما درج الناس على اعتباره جميلا؛ كالأشياء المادية والأعمال الفنية. الجميل حقا هو في غنى عما سواه ... شأنه في ذلك شأن القانون، وشأن الحقيقة، أو الإحسان أو التواضع. فهل مثل هذه الأشياء تجمل بالمدح أو تذوي بالدم؟ هل ينتقص من قيمة الزمردة ألا تزجي لها المديح؟ أو ينتقص من الذهب أو العاج أو الأرجوان أو القيثار أو الخنجر أو الزهرة أو الشجيرة؟ (4-21) لعلك تسأل: إذا كانت الأرواح خالدة فكيف يمكن للهواء أن يستوعبها جميعا منذ بداية الزمان؟ حسن ... فكيف تستوعب الأرض كل تلك الأجساد التي تدفن بها منذ تلك البداية السحيقة؟ فمثلما هو الحال هنا على الأرض؛ إذ تتحول الأجسام بعد مقامها على الأرض، طال أو قصر، وتتحلل فتترك مكانا لغيرها، كذلك الشأن بالنسبة للأرواح المرتحلة إلى الهواء؛ تبقى ردحا من الزمن ثم تتغير وتندثر وتتخذ طبيعة نارية إذ يتلقاها المبدأ المولد للعالم، بذلك تترك مكانا للمقيمين اللاحقين، هذا هو الجواب عن مسألة خلود الأرواح.
ينبغي ألا نقتصر على النظر إلى الأجساد التي تدفن هكذا بل نتأمل أيضا كم من الحيوانات تؤكل كل يوم، نأكلها نحن وتأكلها المخلوقات الأخرى؛ مقادير ضخمة تستهلك وتدفن، بمعنى ما، في أجساد آكليها. ومع ذلك فهناك مكان لها؛ لأنها تتحول إلى دم وإلى عنصري الهواء والنار.
كيف نتحقق من صدق هذه المسألة؟ بالتمييز بين ما هو مادي وما هو صوري سببي.
9 (4-22) لا تتخبط هنا وهناك، ولكن في كل حركة من حركاتك كن عادلا، وفي كل خطرة من خطراتك التزم ملكة الرأي والفهم. (4-23) أيها العالم، كل شيء يلائمني إذا لاءمك، وكل ما هو في أوانه بالنسبة إليك فهو كذلك عندي، لا متقدم لدي ولا متأخر. أيتها الطبيعة، كل ما تجلبه مواسمك فهو ثمرة لي: كل شيء منك يأتي وفيك يعيش وإليك يعود. يقول الشاعر:
10 «عزيزتي مدينة كيكروبس
Cecrops »،
Unknown page