2
بقارئ (قراء): الكاتب يعرف أنه جزء من مجتمع، يكتب الكاتب وفي خاطره وضميره قراء يتوجه إليهم بحديثه ويناجيهم بما يجد، فيكون القارئ هو «المكمل الضروري منطقيا» لعلاقة الكتابة؛ كالشراء بالنسبة للبيع، والابن للأب، والتلميذ للأستاذ، والزوج للزوجة، يأخذ كل منهما من الآخر معناه ومأتاه.
فلماذا إذن يكتب ماركوس وقد انتفت لديه نية النشر؟!
وفي غياب القارئ ماذا يبقى من غرض للكتابة؟!
يبقى الكثير. الكتابة ارتقاء من الخصوصية إلى العمومية، تحقيق لما هو كامن في العقل، وتحديد لما هو غائم، وتثبيت لما هو هائم، بل هي بحث عن المجهول من خبايا النفس، ومعرفة بما هو ضائع في تضاعيف الذات.
لست أعرف بالضبط ما أنا أفكر فيه؛ ربما لذلك شرعت في كتابته.
بذلك يتحول «الذاتي» إلى «موضوعي» (ينتقل من «العالم 2» إلى «العالم 3» بلغة كارل بوبر)، فتتملكه الذات بعد أن كان يتملكها! وتتناوله بالاستيعاب والهضم والمراجعة والتصويب، وربما تحوله، بالمران والتكرار، إلى كيانها وبنيتها، فيصير نسيجا من أنسجتها، وعضوا من أعضائها (يتحول «الميروس» إلى «ميلوس» بلغة ماركوس)، عضوا جاهزا للاستعمال طوع إرادتها وتحت إمرتها ورهن إشارتها.
3 (2) لم التكرار في التأملات؟
التكرار بحاجة إلى رد اعتبار. التكرار ضرورة بيداجوجية (تتعلق بأصول التربية والتدريس)؛ فماركوس إذ يخط تأملاته إنما هو في مران وتدريب، إنه يخاطب نفسه، ومن البين أن هذه النفس قد انقسمت قسمين: نفسا عاقلة عليا تواجه نفسا واهنة دنيا انزلقت إلى مواقف غير فلسفية وتنكبت طريق الفضيلة، وتلح عليها بالتنبيه والتذكير: «اذكر ...» «تذكر ...» «ضع في اعتبارك ...» «لا تنس ...» التكرار هنا تدريب رواقي و«صباغة للنفس بالأفكار»، وتحويل ل «المعرفة» الأخلاقية، بالمجاهدة والكدح، إلى خليقة مكينة وسلوك ثابت (تحويل «اللوجوس»
logos
Unknown page