72

Taʾwīl mukhtalif al-ḥadīth

تأويل مختلف الحديث

Publisher

المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق

Edition Number

الطبعة الثانية

Publication Year

1419 AH

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ: هَلْ كُنْتَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ فَقَالَ: "مَا شَهِدَهَا أَحَدٌ مِنَّا".
وَلَيْسَ هَذَا جَوَابًا لِقَوْلِهِ: "هَلْ كُنْتَ؟ " وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابٌ لقَوْل السَّائِلِ: "هَلْ كُنْتَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ وَإِذَا كَانَ قَوْلُ السَّائِلِ: هَلْ كُنْتَ١ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ حَسَنٌ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ "مَا شَهِدَهَا أَحَدٌ مِنَّا غَيْرِي" يُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ مُتَقَدِّمِ قَوْله.
مَا حَكَاهُ عَنْ حُذَيْفَةَ:
وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَشْيَاءَ لِعُثْمَانَ، مَا قَالَهَا، وَقَدْ سَمِعُوهُ قَالَهَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ إِنِّي أَشْتَرِي دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ كُلَّهُ.
فَكَيْفَ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَقْبَحِ وُجُوهِهِ؟ وَلَمْ يَتَطَلَّبْ لَهُ الْعُذْرَ وَالْمَخْرَجَ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: "أَشْتَرِي دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ".
أَفَلَا تَفَهّم عَنْهُ مَعْنَاهُ، وتدبَّر قَوْلَهُ؟ وَلَكِنَّ عَدَاوَتَهُ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَمَا احْتَمَلَهُ مِنَ الضِّغْنِ عَلَيْهِمْ، حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّظَرِ.
والعداوة البغض، يُعْمِيَانِ وَيُصِمَّانِ، كَمَا أَنَّ الْهَوَى يُعْمِي وَيُصِمُّ.
وَاعْلَمْ -رَحِمَكَ اللَّهُ- أَنَّ الْكَذِبَ وَالْحِنْثَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَوْلَى بِالْمَرْءِ وَأَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ وَالْبِرِّ فِي الْيَمِينِ.
أَلَّا تَرَى رَجُلًا لَوْ رَأَى سُلْطَانًا ظَالِمًا وَقَادِرًا قَاهِرًا، يُرِيدُ سَفْكَ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ اسْتِبَاحَةَ حُرَمِهِ، أَوْ إِحْرَاقِ مَنْزِلِهِ، فَتَخَرَّصَ قَوْلًا كَاذِبًا يُنْجِيهِ بِهِ، أَوْ حَلَفَ يَمِينًا فَاجِرَةً، كَانَ مَأْجُورًا عِنْدَ اللَّهِ، مَشْكُورًا عِنْدَ عِبَادِهِ؟
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ: لَا يَصِلُ رَحِمًا، وَلَا يُؤَدِّي زَكَاةً، ثُمَّ اسْتَفْتَى الْفُقَهَاءَ، لَأَفْتَوْهُ جَمِيعًا بِأَنْ لَا يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُول:

١ وَفِي نُسْخَة: هَل كُنْتُم.

1 / 84