52

Taʾwīl mukhtalif al-ḥadīth

تأويل مختلف الحديث

Publisher

المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق

Edition Number

الطبعة الثانية

Publication Year

1419 AH

وَالذكر -هُوَ الَّذِي خَالَفَ بَيْنَ آرَائِهِمْ، وَالَّذِي خَالَفَ بَيْنَ الْآرَاءِ، هُوَ الَّذِي أَرَادَ الْاخْتِلَافَ لَهُمْ، وَلَنْ تَكْمُلَ الْحِكْمَةُ وَالْقُدْرَةُ إِلَّا بِخَلْقِ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ لِيُعْرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ.
فَالنُّورُ يُعْرَفُ بِالظُّلْمَةِ، وَالْعِلْمُ يُعْرَفُ بِالْجَهْلِ، وَالْخَيْرُ يُعْرَفُ بِالشَّرِّ، وَالنَّفْعُ يُعْرَفُ بِالضُّرِّ، وَالْحُلْوُ يُعْرَفُ بِالْمُرِّ؛ لِقَوْلِ١ اللَّهِ ﵎: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ ٢.
وَالْأَزْوَاجُ: الْأَضْدَادُ وَالْأَصْنَافُ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْيَابِسِ وَالرَّطْبِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ ٣.
وَلَوْ أَرَدْنَا -رَحِمَكَ اللَّهُ- أَنْ نَنْتَقِلَ عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَنَرْغَبَ عَنْهُمْ، إِلَى أَصْحَابِ الْكَلَامِ وَنَرْغَبَ فِيهِمْ، لَخَرَجْنَا مِنِ اجْتِمَاعٍ إِلَى تَشَتُّتٍ، وَعَنْ نِظَامٍ إِلَى تَفَرُّقٍ، وَعَنْ أُنْسٍ إِلَى وَحْشَةٍ، وَعَنِ اتِّفَاقٍ إِلَى اخْتِلَافٍ، لِأَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ كُلَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ٤ لَا يَكُونُ.
وَعَلَى أَنَّهُ خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَعَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى تَقْدِيمِ الشَّيْخَيْنِ، وَعَلَى الْإِيْمَانِ بِعَذَابِ الْقَبْرِ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ، وَمَنْ فَارَقَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا نَابَذُوهُ وَبَاغَضُوهُ وَبَدَّعُوهُ وَهَجَرُوهُ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي اللَّفْظِ بِالْقُرْآنِ، لِغُمُوضٍ وَقَعَ فِي ذَلِكَ، وَكُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ: عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ بِكُلِّ حَالٍ -مَقْرُوءًا وَمَكْتُوبًا وَمَسْمُوعًا وَمَحْفُوظًا- غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهَذَا الْإِجْمَاع.

١ وَفِي نُسْخَة: يَقُول.
٢ الْآيَة: ٣٦ من سُورَة يس.
٣ الْآيَة: ٤٥ من سُورَة النَّجْم.
٤ وَفِي نُسْخَة: لَا يَشَاء.

1 / 64