235

Taʾwīl mukhtalif al-ḥadīth

تأويل مختلف الحديث

Publisher

المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق

Edition Number

الطبعة الثانية

Publication Year

1419 AH

مَاتَ فَقِيرًا، وَاللَّهُ ﷿ يَقُولُ: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ ١.
وَالْعَائِلُ: الْفَقِيرُ كَانَ لَهُ عِيَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ -وَالْمُعيِلُ: ذُو الْعِيَالِ، كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
فَحَالُ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ مَبْعَثِهِ وَحَالُهُ عِنْدَ مَمَاتِهِ؛ يَدُلَّانِ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ ﷿؛ لِأَنَّهُ بُعِثَ فَقِيرًا، وَقُبِضَ غَنِيًّا.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي كَانَ يَسْأَلُهَا رَبَّهُ ﷿، لَيْسَتْ بِالْفَقْرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّ الْفَقْرُ بِالْمُؤْمِنِ أَحْسَنُ مِنَ الْعِذَارِ الْحَسَنِ عَلَى خَدِّ الْفَرَسِ" فَإِنَّ الْفَقْرَ مُصِيبَةٌ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْيَا عَظِيمَةٌ وَآفَةٌ مِنْ آفَاتِهَا أَلِيمَةٌ٢، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَرَضِيَ بِقَسْمِهِ٣ زَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَعْظَمَ لَهُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ.
وَإِنَّمَا مَثَلُ الْفَقْرِ وَالْغِنَى، مَثَلُ السُّقْمِ وَالْعَافِيَةِ.
فَمَنِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالسُّقْمِ فَصَبَرَ، كَانَ كَمَنِ ابْتُلِيَ بِالْفَقْرِ فَصَبَرَ.
وَلَيْسَ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ بِمَانِعِنَا مِنْ أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَنَرْغَبَ إِلَيْهِ فِي السَّلَامَةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ يُفَضِّلُونَ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى، إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ فَقْرِ النَّفْسِ.
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّاسِ: "فُلَانٌ فَقِيرُ النَّفْسِ" وَإِنْ كَانَ حسن الْحَال و"غَنِي النَّفْسِ" وَإِنْ كَانَ سَيِّءَ الْحَالِ، وَهَذَا غَلَطٌ.
وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا مِنْ صحابتهم، وَلَا الْعباد، وَلَا

١ سُورَة الضُّحَى: الْآيَة ٦.
٢ أليمة: مؤلمة.
٣ قسمه: قسمته.

1 / 249