Ṣuwar min ḥayāt al-ṣaḥāba
صور من حياة الصحابة
Publisher
دار الأدب الاسلامي
Edition Number
الأولى
Genres
الضَّخْمَةِ المُحْكَمَةِ، وَدُعِّمَ بِأَعْمِدَةِ الحَدِيدِ الصَّلْبَةِ، وَرُبِطَ هُوَ وَأَنْفَاقُهُ بالرّصَاصِ.
وَحَوْلَ ((تُسْتَرَ)) سُورٌّ كَبِيرٌ سَامِقٌ(١) يُحِيطُ بِهَا إِحَاطَةَ السّوّارِ بِالمِعْصَمِ، قَالَ المُؤَرِّخُونَ عَنْهُ:
إِنّهُ أَوَّلُ وَأَعْظَمُ سُورٍ بُنِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ.
ثُمَّ حَفَرَ ((الهُرْمُزَانُ)) حَوْلَ السُّورِ خَنْدَقاً عَظِيماً يَتَعَذَّرُ اجْتِيَازُهُ، وَحَشَدَ وَرَاءَهُ خِيرَةَ جُنُودِ فَارِسَ.
***
عَسْكَرَتْ جُيُوشُ الْمُسْلِمِينَ حَوْلَ خَنْدَقِ ((تُسْتَرَ)) وَظَلَّتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْراً لَا تَسْتَطِيعُ اجْتِيَازَهُ.
وَخَاضَتْ مَعَ جُيُوشِ ((الفُرْسِ)) خِلَالَ تِلْكَ المُدَّةِ الطَّوِيلَةِ ثَمَانِينَ مَعْرَكَةً. وَكَانَتْ كُلُّ مَعْرَكَةٍ مِنْ هَذِهِ المَعَارِكِ تَبْدَأُ بِالمُبَارَزَةِ بَيْنَ فُرْسَانِ الفَرِيقَيْنِ؛ ثُمَّ تَتَحَوَّلُ إِلَى حَرْبٍ ضَارِيَةٍ ضَرُوسٍ(٢).
وَقَدْ أَبْلَى مَجْزَةُ بْنُ ثَوْرٍ فِي هَذِهِ المُبَارَزَاتِ بَلَاءً أَذْهَلَ العُقُولَ، وَأَذْهَشَ الأَعْدَاءَ وَالأَصْدِقَاءَ فِي وَقْتٍ مَعاً.
فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِ مِائَةٍ كَمِيٍّ(٣) مِنْ فُرْسَانِ الأَعْدَاءِ مُبَارَزَةً؛ فَأَصْبَحَ اسْمُهُ يُثِيرُ الرُّعْبَ فِي صُفُوفِ ((الفُرْسِ))، وَيَبْعَثُ النَّخْوَةَ وَالعِزَّةَ فِي صُدُورِ الْمُسْلِمِينَ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ عَرَفَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا قَدْ عَرَفُوهُ مِنْ قَبْلُ لِمَ خَرَّصَ أَمِيرُ
(١) سور سامق: سور عال.
(٢) حرب ضروس: حرب شديدة مهلكة.
(٣) الكمي: الشجاع الباسل.
161