لا أعرف أين هرب غضبي من سماع تلك الهمهمة، وأين هربت دمائي من لمسة يدها ليدي، وجدت كلمات تتساقط من فمي تشبه الفحيح. - إنتي مجنونة؟ - هو انت شفت جنان لسه! (قالتها وهي تعتدل فكدت أرى ركبتها.)
مررت بعيني على جسدها بالكامل، وأنا أنحرف بالسيارة بعد البازليك، ولمحت مكانا شاغرا فتوقفت بالسيارة ونظرت إليها، كانت ترتدي فستانا من المخمل الأسود والبني، كان ذوقها شعبيا إلى حد كبير، خاصة المشغولات المرسومة على الفستان، الذي كان قبل جلوسها بجواري تحت ركبتها بقليل، وشال أسود منسوج تغطي به صدرها، وحين وصلت عيناي لرقبتها، رفعت الشال لتظهر خصوبة نهديها ببياضهما الرخامي، ببروزهما خارج فتحة الفستان، لم أر هذا الجزء من الفستان شعبيا على الإطلاق.
انفرجت شفتاها عن ابتسامة ماكرة، وهي تراني أتفحصها، نزلت بعيني أكثر، مررت ببطنها ونزلت لطرف الفستان، الذي ارتفع فوق ركبتها بقليل، كان بياض لونها أخاذا، وسيقانها تلمع نعومتها، واستمرت عيناي في النزول، لصندلها الأسود اللامع ذي الكعب العالي، والشريطة الحمراء اللامعة بفراشة برتقالية، لتظهر أصابع قدميها بأظافرها المطلية بلون أحمر قان بعناية شديدة، ومقلمة بعناية أشد.
لم تستغرق تلك النظرة أكثر من جزء من الثانية، لكن كل التفاصيل قد حفظتها في ذاكرتي، رفعت عيني لوجهها وكأني أراها لأول مرة، كان جمالها ريفيا؛ العيون الواسعة، السوداء، المكحلة، الأنف الدقيق المرتفع بعض الشيء، والشفتان الممتلئتان قليلا والملونتان بالأحمر، وذقنها الدقيق، الذي يذكرني بالنقطة في نهاية السطر.
كان شعرها منسدلا بسواده، وثقله، ويلوح فوقه طيف أحمر، استمرت نظرتي مدة أطول، لم يفقني من تأملاتي سوى وخز في جسمي كله، فانتبهت أننا جلسنا فوق الزجاج المكسور، والكراسي المحترقة، فنظرت بشكل تلقائي لنفسي، فوجدتني بالجينز، وحذائي الخفيف بلا جوارب، وقميص أبيض مقلم بأقلام رفيعة، أزرق وبني، شعرت بالبرد؛ فما زلنا في نهاية شهر يناير، ولا يصلح قميصي أبدا لمثل هذا الجو، سحبت يدي من أسفل يدها، وشعرت بأنني استرددت عافيتي من تأثير الصدمات المتوالية. «بقولك إيه، تعالي ننزل بس ننفض القزاز المكسر ده.» قلتها ونزلت، وبدأت في تفحص السيارة للمرة الأولى، أو هكذا كنت أحاول أن أبدو، لكن في الحقيقة كنت أريد رؤيتها واقفة. - حاضر، أنا آسفة والله (قالتها ونزلت).
حاولت إزالة الزجاج بسرعة بلا فائدة من كرسي، ودرت حول السيارة لأذهب ناحيتها.
وقفت فكانت محاصرة بيني وبين السيارة، ويمنعها من الهرب الباب المفتوح، لم تحاول الهرب في الحقيقة، بل وقفت مبتسمة في توسل، وأخذت تردد الاعتذارات، ولم أكن أسمع ما تقول، بل كنت مستمرا في معاينة المجنونة التي أشعلت سيارتي، وأشعلت معها رغبتي.
كانت فارعة الطول، وممشوقة بتناسب مثير، كانت تظهر عليها كل علامات العناية بمظهرها، ملت بجسدي قليلا لأنظف الزجاج من الداخل، فكدت ألمسها أو بالأحرى أن أسند رأسي على صدرها الذي لفح وجهي لهيبه، اعتدلت وانسحبت بعيدا قائلا بأننا لن نتمكن من تنظيف الزجاج، فابتسمت لي بخيلاء، ومالت بجسدها للداخل وكأنها تقرأ ما يدور بذهني فقد كنت أتشوق لرؤية مؤخرتها في الوضع مائلة، أقلقتني فكرة أنها تقرأ ما يدور بذهني، وتذكرت الحلم بالأم وابنتها، شعرت بالخوف لوهلة بينما كانت تضرب الكرسي بيدها ذات الأصابع الطويلة المنحوتة بدقة عالية، فيطير الزجاج فتزيحه بعيدا، امتزجت صورتها برغبتي التي كانت مشتعلة في الحلم، فبدأت بتفحص مؤخرتها البيضاوية المشدودة وكان المخمل الداكن يزيدها إثارة، وكاد التقاء مؤخرتها بردفيها أن يفلت زمام رغبتي، ومنعت نفسي للحظة من ضرب مؤخرتها بيدي، فاكتفيت بوضعها على وسطها لتخرج من السيارة، وتقف تقريبا بين ذراعي ويلامس كل جسمها كل جسمي، كان جسدها مزيجا غريبا من القوة والليونة، نظرت في عينها: تعرفي نظرية التوتر السطحي؟ - طبعا، يبان عليك التوتر من برة وانت راسي وتقيل من جوه، يعني عكس نظرية «من برة هلا هلا ومن جوه يعلم الله» (قالتها وبعينها نظرة انتصار رافعة حاجبها الأيسر). - (ضاحكا بصوت مرتفع) لا مش دي؛ التوتر السطحي نظرية على الموائع بيكون سطحها غشاء مرن مشدود يقاوم الاختراق ويعمل على تقليل مساحة السطح.
تحولت نظرتها من الاستنكار، للغضب، للوم، وكادت تصيح وهي تدفعني عنها، «إوعى» وركبت السيارة مرة أخرى ودفعتني ثانية لتغلق الباب، وكأنها ستنطلق بالسيارة، رجعت لمقعدي ناظرا لها مبتسما؛ فقد أثارتني أكثر بسذاجتها، ومحاولتها التنصح بطريقة «الفلاح لما يتنور»، أغلقت بابي. - مالك بس، حصل إيه؟ - إيه يعني غشاء ومش غشاء؟ انت مش عارف إني كنت متجوزة وعندي تلات عيال؟
لم أضحك هذه المرة، بل ابتسمت لها بدفء قائلا: «لا يا ستي، انتي فهمتيني غلط، أو انا ماعرفتش أقول.» - هاتقول إيه تاني؟ ما بلاش ... - لا أنا كان قصدي إن جسمك حلو ومشدود ولين في نفس الوقت (قلتها ووضعت يدي على فخذها، وشعرت بيدي تحترق وبجسدها يذوب). - ما تقول لي جسمك حلو يا توحة وخلاص، إيه بقى لازمتها النظريات! ما تخليك دوغري كده واتعلمها من واحدة زيي مش متعلمة. - إنتي هاتعلميني الجنان. - وهو الجنان وحش يا أستاذ محمد؟ - لا يا ست توحة، لو منك يبقى مش وحش، أعمل فيكي إيه دلوقتي؟ نزلتيني في البرد دا بمنظري كده! - أدفيك، ووضعت يدها مرة أخرى فوق يدي. - وولعتي في عربيتي. - أطفيها. وأشعلت نيران الجحيم بنظرتها. - أعمل فيكي إيه؟ - بوسني.
Unknown page