al-Sunna
السنة
Editor
د. عطية الزهراني
Publisher
دار الراية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٠هـ - ١٩٨٩م
Publisher Location
الرياض
وَقَدْ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ ﵎: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩]، قَالَ: «يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ» . فَبَلَغَنِي أَنَّ مَسْلُوبًا مِنَ الْجُهَّالِ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَنَظَرْتُ فِي إِنْكَارِهِ، فَإِنْ كَانَ قَصَدَ مُجَاهِدًا، فَابْنَ عَبَّاسٍ قَصَدَ، وَإِنْ كَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ قَصَدَ، فَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَدَّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَدَّ، فَبِاللَّهِ كَفَرَ، وَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَهُ مَنْ أَنْكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَقًّا، أَوْ جَحَدَ لَهُ فَضْلًا، أَوْ غَاضَهُ شَيْءٌ مِنْ فَضْلِهِ، أَنْ لَا يُنِيلَهُ شَفَاعَتَهُ، وَأَنْ لَا يَحْشُرَهُ فِي زُمْرَتِهِ، وَأَنْ يَحْتَجِبَ عَنْهُ كَمَا وَعَدَ الْجَهْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ مِنَ الِاحْتِجَابِ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمَ ثُمَّ يُقَالَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [المطففين: ١٦]، وَوَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَقْعَدَ الصِّدْقَ عِنْدَهُ، وَالنَّظَرَ إِلَى وَجْهِهِ بِالنُّضْرَةِ فِي وُجُوهِهِمْ إِذَا نَظَرُوا إِلَى وَجْهِهِ، وَالسُّرُورَ فِي قُلُوبِهِمْ إِذَا عَبْدُوهُ بِالْحُبِّ لَهُ، وَالِاشْتِيَاقَ إِلَى الْمَقْعَدِ عِنْدَهُ وَمُجَاوَرَتِهِ فِي دَارِ الْقَرَارِ، فَالْعَجَبُ الْعَجَبُ أَنَّ النَّصَارَىَ تَضْحَكُ بِنَا أَنَّا نُسَلِّمُ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا لِعِيسَى ﵇ تُشْبِهُ الرُّبُوبِيَّةَ، أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، فَهَذِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِيهِ وَحْدَهُ، فَسَلَّمْنَا ذَلِكَ لِعِيسَى بِالرِّضَا وَالتَّصْدِيقِ بِكِتَابِ اللَّهِ ﷿، وَأَنْكَرَ هَذَا الْمَسْلُوبُ فَضِيلَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَنَحْنُ نَفْخَرُ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا أَنَّ نَبِيَّنَا أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَمَّا قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: الشَّفَاعَةُ، فَإِنَّا لَا نَدْفَعُ ذَلِكَ فَنُشَارِكُهُ فِي جَهْلِهِ، بَلْ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ اللَّهَ ﷿ يُشَفِّعُهُ فِي وَقْتٍ مَا، يَأْذَنُ لَهُ بِالشَّفَاعَةِ وَيُكْرِمُهُ بِمَا أَحَبَّ مِنَ الْكَرَامَةِ، حَتَّى يُعَرِّفَ أَوْلِيَاءَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ كَرَامَتَهُ وَفَضْلَهُ، وَلَقَدْ ضَاقَ قَلْبُ الْمَسْلُوبِ عَنْ حَمْلِ مَعَانِي الْعِلْمِ، فَلَا يَطَّلِعُ بِحُسْنِ النِّيَّةِ وَالِاتِّبَاعِ عَلَى مَعَانِي الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ ﵎: ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥] فَهَذِهِ سَاعَةُ تَزْفِرُ جَهَنَّمَ، فَتَذْهَلُ الْعُقُولُ، حَتَّى يَقُولَ الرُّسُلُ مِنْ شِدَّةِ الْجَهْدِ إِذَا زَفِرَتْ وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَيَقُولُ اللَّهُ ﵎ ﴿مَاذَا أُجِبْتُمْ، قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا﴾ [المائدة: ١٠٩] ثُمَّ تَأْتِي عَلَيْهِمْ سَاعَةُ يَشْهَدُونَ بِعُقُولٍ صَحِيحَةٍ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١] وَقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر: ٣١] فَكَذَلِكَ الْجُلُوسُ فِي وَقْتٍ، وَالشَّفَاعَةُ فِي وَقْتٍ، إِلَّا أَنْ يَزْعُمَ هَذَا الْجَاهِلُ أَنَّ اللَّهَ ﷿ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُجْلِسَهُ عَلَى الْعَرْشِ، أَوْ يَقُولَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَاللَّهُ يَحْلِفُ بِحَيَاتِهِ، فَقَالَ: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢] وَمَعْنَاهُ: وَحَيَاتِكَ، وَيُقَالَ: وَعَيْشِكَ، كَيْفَ وَهُوَ يَتْرُكُ يَعْقُوبَ فِي حُزْنِهِ ثَمَانِينَ سَنَةً لَا يَسْأَلُهُ عَنْ حُزْنِهِ، فَقَالَ: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٨٤] حَتَّى إِذَا حَزَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِهِ أَنْزَلَ عَلَيْهِ ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ [الحجر: ٨٨] وَقَالَ: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنَكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣] أَيْ أَنَا الْمُكَذَّبُ لَا أَنْتَ، وَلَقَدْ بَلَغَ مِنْ قَدْرِهِ عِنْدَ اللَّهِ ﷿ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِأُمِّ سَلَمَةَ أَوْ زَيْنَبَ أَرْسَلَ ضُعَفَاءَ أَصْحَابِهِ، فَأَوْلَمَ عَلَيْهِمْ فَجَلَسُوا لِلْحَدِيثِ، وَعَلِمَ اللَّهُ ﷿ أَنَّهُ أَرَادَ الْخَلْوَةَ بِأَهْلِهِ، فَمَنَعَهُ الْحَيَاءُ مِنْهُمْ أَنْ يُخْرِجَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﵎ ﴿إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥٣] وَعَاتَبَ عَنْهُ نِسَاءَهُ إِذَا سَأَلُوهُ الدُّنْيَا، فَقَالَ اللَّهُ ﴿يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ . وَبَلَغَ مِنْ قَدْرِهِ أَنَّ اللَّهَ ﷿ كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْهُ إِذَا سَأَلَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْ دِينِهِمْ، وَإِذَا آذَاهُ الْمُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِمْ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ ﷿ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ [البقرة: ٢٢٠] يَسْأَلُونَكَ عَنْ كَذَا، يَسْتَفْتُونَكَ فِي كَذَا، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥] وَ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأعراف: ١٨٧] فِي كُلِّ ذَلِكَ يَتَوَلَّى عَنْهُ الْجَوَابَ، فَوَاللَّهِ يَا إِخْوَتِي، لَوْ رُدَّتْ كَلِمَةُ جَاهِلٍ فِي فِيهِ لَسَعِدَ رَادُّهَا كَمَا شَقِيَ قَائِلُهَا، وَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ ﷿ مَنْ رَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَوْ أَنْكَرَ لَهُ حَقًّا، أَوْ جَحَدَ لَهُ فَضْلًا، أَوْ أَغَاضَهُ شَيْءٌ مِنْ فَضْلِهِ، وَفَضَائِلِ أَصْحَابِهِ أَنْ لَا يُنِيلَهُ شَفَاعَتَهُ، وَلَا يَحْشُرَهُ فِي زُمْرَتِهِ، وَلَسْتُ أَدَّعِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذِكْرَ مَا فَضَّلَنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ فَضَائِلِ نَبِيِّنَا، وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى قَوْلِهِ ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ [النجم: ٢] فَلِرَبِّنَا الْحَمْدُ عَلَى مَا أَوْدَعَ قُلُوبَنَا مِنْ حُبِّ الِاتِّبَاعِ، وَلَهُ الْحَمْدُ إِذْ لَمْ يُذِلَّنَا بِالِابْتِدَاعِ، وَالسَّلَامُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمَعْرُوفَ بِالتِّرْمِذِيِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَنَا وَلِأَصْحَابِنَا بِدْعَتُهُ وَإِلْحَادُهُ فِي الدِّينِ، وَرَدِّ الْآثَارِ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، وَوَقِيعَتُهُ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ لِأَنَّ مَنْ رَدَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، فَقَدْ أَزْرَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَطَعْنُهُ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَهُوَ مِنْ عَالِيَةِ التَّابِعِينَ، قَدْ صَحِبَ جَمْعًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَحَفِظَ عَنْهُمْ، وَمَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ شُيُوخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ إِلَّا بِالْقَبُولِ لَهَا، وَيَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، وَيَقْمَعُونَهُمْ بِهَا، وَيُكَفِّرُونَهُمْ، وَلَا يَرُدُّهَا إِلَّا رَجُلٌ مُعَطَّلٍ جَهْمِيُّ، فَمَنْ رَدَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، أَوْ طَعَنَ فِيهَا فَلَا يُكَلَّمُ، وَإِنْ مَاتَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ هَذَا التِّرْمِذِيَّ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا أَهْلُ السُّنَّةِ، وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبَيَّنَ أَمْرُهُ، فَعَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ، وَمَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ ﵁ فَهُوَ الْإِمَامُ يُقْتَدَى بِهِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: «لَا تَزَالُ عَلَى الطَّرِيقِ مَا زِلْتَ تَطْلُبُ»
٢٦٩ -
٢٧٠ -وَقَالَ هَارُونُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِيُّ: جَاءَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ هَذَا التِّرْمِذِيَّ الْجَهْمِيَّ الرَّادَّ لِفَضِيلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَحْتَجُّ بِكَ، فَقَالَ: كَذَبَ عَلَيَّ، وَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ: اكْتُبْهَا لِي، فَكَتَبَهَا بِخَطِّهِ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] قَالَ: «يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ»، فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبِي ﵁، فَقَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ يُحَدِّثُ بِهِ، فَلَمْ يُقَدِّرْ لِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْهُ، فَقَالَ هَارُونُ: فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِيكَ أَنَّهُ كَتَبَهُ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ حَكَوْا هَذَا عَنْهُ
1 / 234