Sunduq Dunya
صندوق الدنيا
Genres
قلت: «يخيفني؟ لقد دعوتك لتحلق لي لحيتي لا لتبرد لي شعرها.»
قال: «يا فندي لا تخف.»
ثم قرأ من الكتاب الكريم
فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى
إلى آخر الآية الشريفة، وأظنه أراد أن يرقيني بها، فيا لها من حلاقة لا تكون إلا برقية!
وأسلمت أمري لله وعدت فقعدت أمامه، فنهض على ركبتيه وتناول رأسي بين كفيه وأمال صدغي إليه، ثم وضع ركبته على فخذي ولف ذراعه حول عنقي، فصار فمي مدفونا في صدره فصحت أو على الأصح جاهدت أريد الصياح لعل أحدا يسمعني فينجدني، غير أن طيات ثوبه كانت في فمي، أما رائحة الثوب فبحسب القارئ أن يعلم أنها أفقدتني الوعي.
ولا أطيل على القارئ. فقد أهوى الرجل بموساه على وجهي فسلخ قطعة من جلدي فردني الألم إلى الحياة، وأتاني القوة الكافية للصراخ على الرغم من الكمامة، ووثبت أريد الباب، ولكنه كان على كبر سنه أسرع مني، وما يدريني لعله كان يتوقع ذلك، وعسى أن يكون المران قد علمه أن يكون يقظا لأمثال هذه المحاورات، فردني بقوة ساعده. فتشهدت وتذكرت قول المتنبي:
وإذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تموت جبانا
كلا سأسدل الستار على هذا المنظر الذي يقشعر منه جلدي على الرغم من كر السنين الطويلة. ثم جاء هذا السفاح بطشت يغرق فيه كبش، ووضعه تحت ذقني وصب ماءه على وجهي وفي صدري وعلى ظهري، ليغسل الدم الزكي الذي أراقه، وأخرج من مخلاته «منشفة» هي بممسحة الأرض أشبه، فاعتذرت وأخرجت منديلي وسبقته به إلى وجهي. فهي معركة لا تزال بجلدي منها ندوب وآثار.
Unknown page