al-Suluk fi tabaqat al-ʿulamaʾ wa-l-muluk
السلوك في طبقات العلماء والملوك
Investigator
محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي
Edition Number
الثانية
الْمُلُوك من الوزراء والرؤساء كَمَا هُوَ مشَاهد لَا يكادون يحبونَ أَن يجْرِي على أَيْديهم شَيْء من الْخَيْر إِلَّا النَّادِر وَهُوَ لَا حكم لَهُ وَرُبمَا أَن الْمُلُوك مَتى عملت خيرا سعوا فِي فَسَاده وتغييره لاسيما إِن عملوه بِغَيْر سعايتهم وإشارتهم وَرُبمَا حملهمْ ذَلِك على أُمُور نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكر مَا كَانَ
وَكَانَ أمره عجيبا فِي عمره يَأْتِي ذكر اللَّائِق من ذَلِك وَولي الْقَضَاء فِي الْجند أَيَّام الْمفضل ثمَّ صَار قَاضِي الْقُضَاة من الْجند إِلَى صنعاء ثمَّ لما صَارَت الْبِلَاد لمُحَمد بن سبأ بالابتياع لَهَا أبقاه وَضم إِلَيْهِ الجؤة وعدن وَأبين ولحج ونواحيها فَصَارَ قَاضِي قُضَاة فِيهَا أجمع فَنزل عدن وَحكم بهَا وَعَاد الْجند واستخلف وَلَده وَلما قدم القَاضِي الرشيد بن الزبير من خلفاء مصر رَسُولا إِلَى مُحَمَّد بن سبأ وَاجْتمعَ بِهِ هَذَا أَبُو بكر ومازحه وَأنس بِهِ وَأحسن إِلَى الرشيد إحسانا تقر بِهِ الْعُيُون وينبىء عَلَيْهِ الْمكنون بِحَيْثُ أَن الرشيد لما عَاد إِلَى مصر وَسُئِلَ عَمَّن بِالْيمن من الْفُضَلَاء قَالَ بهَا جمَاعَة سيدهم أَبُو بكر اليافعي وَقَاه الله ورعاه وَكَانَ يخالط الْمُلُوك وَيكثر مجالستهم ومدحهم وبلغه أَن جمَاعَة عابوه على قَول الشّعْر وَقَالُوا لَيْسَ ذَلِك لائقا بِذِي الْفِقْه فَقَالَ فِي معنى ذَلِك ... كم حَاسِد لي فِي الْأَنَام وغابط ... على منطقي إِذْ كَانَ مَنْطِقه رخوا
يعيرني بالشعر قوم وَبَعْضهمْ ... يوبخني وَالْكل يخبط فِي عشوى
أَرَادوا بِهِ عيبي وَهل هُوَ نَاقص ... إِذا مَا جمعت الْفِقْه وَالشعر والنحوى
وأصبحت فِي علم الْعرُوض مجودا ... وَقدم قولي فِي الْحُكُومَة وَالْفَتْوَى
وَمَا كنت مداحا لنَفْسي وَإِنَّمَا ... لأجعل أكباد العدى بالغضا تكوى ... وَمن منثور كَلَامه فِي خطْبَة الدِّيوَان وَلَا يظنّ ظان أَن ذَلِك جهدي وكل مَا عِنْدِي بل هُنَاكَ همم تسمو إِلَى أرفع من الشّعْر رُتْبَة ومذاكرة بِعلم هُوَ أقدم مِنْهُ محبَّة وَأُمُور نيطت فِي عراها ورسخت لَا يرام قواها وَهَذِه صناعَة لَهَا من أفكاري الفضلات وَمن أوقاتي الغفلات فَإِلَيَّ مِنْهُمَا كإل السقب من بازل النعام وحظها مني كحظ الْمُوَافق من طيف الْمَنَام
1 / 307