113

وأحر بجيش يتألف من أمثال هذه العناصر ، أن يكون مهددا لدى كل بادرة بالانقسام على نفسه ، والانتقاض على رؤسائه.

ولم يكن الجهاد المقدس يوما من الايام وسيلة لطمع مادي ، ولا مجالا للمؤامرات الشائكة ، ولا مظهرا للعصبيات الجاهلية الهزيلة ، ولا مسرحا لتجارب الشكاكين.

و « ازدادت بصيرة الحسن بخذلان القوم له (1)» ، وتراءى له من خلال ظروفه شبح الخيبة الذي ينتظر هذه الحرب في نهاية مطافها ، اذ كانت العدة المدخرة لها ، هي هذا الجيش الذي لا يرجى استصلاحه بحال.

وأثر عنه كلمات كثيرة في التعبير عن ضعف ثقته بجيشه.

وكان من أبلغ ما أفضى به في هذا الصدد مما يناسب موضوع هذا الفصل خطابه الذي خاطب به جيشه في المدائن.

وقال فيه :

« وكنتم في مسيركم الى صفين ، ودينكم أمام دنياكم. وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. وأنتم بين قتيلين ، قتيل بصفين تبكون عليه ، وقتيل بالنهروان تطلبون (2) بثاره. فأما الباقي فخاذل ، واما الباكي فثائر .. ».

وهذه هي خطبته الوحيدة التي تعرض الى تقسيم عناصر الجيش من ناحية نزعاته واهوائه في الحرب.

فيشير بالباكي الثائر الى الكثرة من أصحابه وخاصته ، وبالطالب للثأر الى الخوارج الموجودين في معسكره [ وما كان ثأرهم الذي يعنيه الا عنده ] ويشير بالخاذل الى العناصر الاخرى من اصحاب الفتن واتباع المطامع وعبدة الاهواء.

Page 133