رأي إذا دب في كعوب قنا ... يجل عن وصمة وعن خطل
يمضي بلا كلفة لطيته ... من حيث تنبو مضارب البطل
وقال في صدر أخرى
غنينا بدر من مقبلك العذب ... عن الشذر والياقوت واللؤلؤ الرطب
وشمنا بروق البشر رقراقة السنا ... تلوح لنا لألاها في دجى العتب
وفزنا بزور كان أيمن زائر ... ألمّ بنا وقع القطار على الجدب
وقال متغزلًا
هات اسقني حلب العصير ولا سوى ... زهر النجوم تجاه زهر المجلس
انظر إليه كأنه متبرم ... مما تغازله عيون النرجس
وكان صفحة خده ياقوتة ... وكان عارضه خميلة سندس
حسين جلبي
بن الجزري الشامي
أحد صاغة القريض. البديع التصريح فيه والتعريض. العالم بشعار الأشعار. والمقتنص لابكار الأفكار. فتح بقرائحه باب البيان المقفل. ووسم من غفلة ماسها عنه غيره وأغفل. راقت بدائع آدابه ورقت. وملكت روائعه حر الكلام واسترقت. فهو إذا نظم أهدى السحر للأحداق والرقة للحضور. وشاد من أبيات أدبه ما تعنوا له مشيدات القصور. فتملك المسامع إبداعًا وإعجابًا. وكشف عن وجوه المحاسن نقابًا وحجابًا. فمن بديعه المستجاد. ومطبوعه الذي أبدع فيه وأجاد. قوله في صدر قصيدة مدح بها ابن سيفا
لما نخييها رثي وربوعًا ... وحثًا نسقيها دمًا ودموعا
عوجًا على عاني الطلول وعرجًا ... معي واندباني والطلول جميعا
ولا ترجيا القود الرواسم واعقلا ... على الرسم منها ظالعًا وظلعا
خليلي خل من أصاخ بسمعه ... وبثًا لخل لا يكون سميعا
فلا تعصياني في التصابي على الصبي ... وارفق ما كان الرفيق مطيعا
قفا نوضح الأشجان منا بتوضح ... وننتجع الدمع الملث نجيعا
ونبكي الليالي الغاديات نعيدها ... لو أن الليالي تستطيع رجوعا
معاهد أنس بان عهد أنيسها ... بعيشي ريعان الشباب وريعا
وجنة مأوى غاض ماء نعيمها ... وجرعت غسلينا بها وضريعا
لقد غال ما بيني وبين ظبائها ... على الجذع بين ظلت منه جزوعا
وغيب عن عيني أوجه عينها ... وكن شموسًا لا تغبن طلوعا
عقائل يعقلن الفؤاد عن السوى ... ويصرعن ذا العقل الصحيح سريعا
تقد القنا منهن والصبح والدجى ... قدودًا قلت أوجها وفروعا
أحاشيك بي منهن ذات تمنع ... واقتل ما كان المحب منوعا
لها لحظات ما أسنة قومها ... بأسرع منها في الكمى وقوعا
تمنى يزور الطيف طرفي وأنه ... لزور وإن كان المحب قنوعا
وأبخل خلق الله من كان باعثًا ... خيالًا لعين لا تذوق هجوعا
يكلفني فيها الهوى ما يكلف الل ... هاء ابن سيفًا منذ كان رضيعا
الأديب عبد اللطيف بن شمس الدين
محمد المنقاري
أديب ربع أدبه آهل. نهض بأثقال المقال فما أدت له كاهل. علت شيمة بيانه وغلت. وسارت أغراض إحسانه في البلاد وأوغلت. وفاق وشى كلامه موشى البرود. وأخجل العقود في تليل الكعاب الرود. فشعره أرق من عليل النسيم إذا هب. وأجدى من نوال الكريم إذا وهب. فمن رقيق كلامه. وأنيق أزهار نظامه. قوله في صدر قصيدة مدح بها بعض أعيان عصره
هاج نار الوجد في قلب الكئيب ... بارق لاح سناه من قريب
أضرم النار وكانت خمدت ... واثار الشوق من بعد المغيب
نبه اللوعة من هجعتها ... وسرى كالريح في فرط الهبوب
عاود الداء له من بعد ما ... صح منه القلب من حر اللهيب
ذكر الصب زمانًا بالحمى ... مر كالنجم هوى بين الشعوب
ليت شعري هل لماضي عصرنا ... من رجوع أم لدائي من طبيب