فقال أحمد: أشكرك جدا، لكنني لن أتوظف! - كيف؟ .. - الوظيفة خليقة بقتل أمثالي، مستقبلي في الميدان الحر!
وهمت خديجة بالاحتجاج، ولكنها آثرت تأجيل العراك إلى حينه، أما رضوان فقال باسما: إذا غيرت رأيك فستجدني في خدمتك!
فرفع أحمد يده إلى رأسه شاكرا. وجاء الخادم بأكواب الليمون المثلجة، وفي فترة الصمت التي جعلوا فيها يحتسون، حانت التفاتة من خديجة نحو كريمة فكأنما كانت تراها لأول مرة منذ إفاقتها من مسألة عبد المنعم، فقالت برقة: كيف حالك يا كريمة؟
فأجابتها الفتاة بصوت فيه رخامة: بخير يا عمتي، متشكرة ..
وكادت خديجة تأخذ في إطراء جمالها، ولكن شيئا - كالحذر - أوقفها. الواقع أنها لم تكن أول مرة تجيء بها زنوبة معها مذ حجزت في البيت بعد أخذها الابتدائية. وقالت خديجة لنفسها إن هذه الأمور تشم في الهواء شما! وإن كريمة إذا كانت ابنة زنوبة فهي في الوقت نفسه ابنة ياسين، ومن هنا تجيء دقة المسألة! ولم يكن عبد المنعم يوفي كريمة حقها من النظر لانشغاله بموضوعه، ولكن كان يعرفها حق المعرفة، على أنه لم يكن قد برئ كل البرء من أثر وفاة زوجه، أما أحمد فلم يكن في فؤاده متسع! وقال ياسين: كريمة ما زالت آسفة على عدم التحاقها بالمدرسة الثانوية.
فقالت زنوبة مقطبة: وأنا آسفة أكثر ..
فقال إبراهيم شوكت: إني أشفق على البنات من جهد الدراسة، ثم إن البنت في النهاية لبيتها، فلن يمضي عام أو آخر حتى تزف كريمة إلى صاحب القسمة السعيد ..
يا مقطوع اللسان، هكذا قالت خديجة لنفسها، يفتح المواضيع الخطيرة وهو في غفلة عن نتائجها، يا له من موقف ! كريمة ابنة ياسين وأخت رضوان صاحب الفضل، لعله لا يكون لهذا القلق من سبب إلا الوهم! ولكن لماذا تكثر زنوبة من زيارتنا جارة في يدها كريمة؟ ياسين لا يسمح له وقته بالتفكير والتدبير، أما ربيبة التخت ...!
وقالت زنوبة: هذا الكلام كان يقال في الزمن الماضي، أما اليوم فالبنات كلهن يذهبن إلى المدارس ..
فقالت خديجة: في حارتنا بنتان في المدارس العالية، ولكن شكلهما والعياذ بالله! ..
Unknown page