فقال محمد عفت وهو يغمز بعينه: سيجدون أنفسهم في مركز حرج وسط حالة دولية خطيرة! - يستطيعون أن يجدوا دائما من يؤمن ظهرهم، وإسماعيل صدقي حي لم يمت!
فعاد محمد عفت يقول بلهجة العارف: حادثت كثيرين من المطلعين فوجدتهم متفائلين، يقولون إن العالم مهدد بحرب طاحنة، وإن مصر في فوهة المدفع، وإن من صالح الطرفين الاتفاق المشرف ..
ثم واصل حديثه بعد أن مسح على كرشه في ثقة واطمئنان: إليكم خبرا هاما، وعدت بأن أرشح في دائرة الجمالية في الانتخابات القادمة، وعدني النقراشي نفسه.
وتهللت وجوه الأصدقاء سرورا، ثم لما جاء دور التعليق قال علي عبد الرحيم متصنعا الجد: لا يعيب الوفد إلا أنه يرشح حيوانات أحيانا باسم نواب !
فقال أحمد عبد الجواد كأنما يدافع عن عيب الوفد: وماذا يفعل الوفد؟ إنه يريد أن يمثل الأمة كلها، والأمة أبناء حلال وأبناء سفلة، فمن يمثل أولاد السفلة إلا الحيوانات؟!
فلكزه محمد عفت في جنبه وهو يقول: عجوز وقارح، أنت وجليلة شخص واحد، كلاكما عجوز وقارح! - إني أرضى لو رشحوا جليلة؛ فهي عند اللزوم قد تفرش الملاية للملك نفسه!
وهنا قال علي عبد الرحيم باسما: قابلتها أول أمس أمام عطفتها، ما زالت كالحمل ولكن الكبر أكل عليها وبال!
فقال الفار: صارت معلمة قد الدنيا، بيتها شغال ليل نهار، ويموت الزمار وصباعه بيلعب.
فضحك علي عبد الرحيم طويلا ثم قال: كنت مارا أمام بيتها فرأيت رجلا يتسلل إليه وهو يظن أنه بمأمن من الرقباء، فمن تظنونه كان؟ .. (ثم أجاب وهو يغمز بعينه صوب أحمد عبد الجواد): المحروس كمال أفندي أحمد خوجة مدرسة السلحدار!
ضحك محمد عفت والفار ضحكة عالية، أما أحمد عبد الجواد فقد اتسعت عيناه دهشا وانزعاجا، ثم تساءل في ذهول: كمال ابني؟! - أي نعم، كان ملتفا في معطفه، وعلى عينه نظارته الذهبية. وشاربه الغليظ يختال وقارا، كان يسير في رزانة ومهابة كأنما ليس هو ابن «ضحكجي أغا»، وبنفس الوقار انعطف إلى البيت كأنما ينعطف إلى الجامع الحرام، فقلت له في نفسي: خفف الوطء يا ابن المركوب!
Unknown page