Sufiyya Nashatha Wa Tarikhha
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
40
كان هذا دليلا ماديا على الولاء الذي لا يتزعزع، الذي يكنه القبليون لإله لم يكن هو نفسه أقل مادية في الهيئة عند التجسد في جسم الشاه إسماعيل. وفي السياقات التي قدم فيها الشاه إسماعيل نفسه على أنه أداة الله في الأرض، لم تكن ثمة سلطة مركزية للدولة أو للدين تمنعه من فعل ذلك، وإذا كان أتباعه القبليون قد اختاروا تفسير قصائده باعتبارها تأكيدات على ألوهيته التي سوف تحميهم في ساحة الحرب؛ فهذا يعني أنه لم يكن يوجد ممثلون للعقيدة الصوفية أو غيرها من العقائد الإسلامية «القويمة» ليخبروهم أن معتقداتهم «ضالة». ومن الناحية التاريخية، كانت الحركة الصفوية إلى حد كبير نتيجة بيئتها القبلية والجبلية التي لم توجد بها مؤسسات دولة لوضع ضوابط للإسلام المرتكز على الأولياء الصوفيين ذوي الشخصيات الجذابة.
في هذا الصدد، يتشابه الصفويون الأوائل كثيرا مع البكتاشيين الأوائل والحركات القبلية المشابهة التي رأيناها في أراضي العثمانيين، وكانت هذه هي المشكلة بالتحديد؛ والسبب في ذلك لا يقتصر على ظهور الطريقة الصفوية على التخوم الشرقية المنفلتة للإمبراطورية العثمانية، بل يتمثل أيضا في أن استحسانها من قبل القبليين - الذين يدينون اسميا بالولاء للعثمانيين - أسفر عن انتفاضات من جانبهم، مناهضة للعثمانيين ومؤيدة للصفويين، وزاد ذلك من احتمالية انفصال المقاطعات العثمانية الشرقية وانضمامها إلى الكيان الصفوي الجديد المجاور. ونظرا لأن الشاه إسماعيل أعلن أيضا عام 1501 أن دولته سوف تتبع تعاليم الإسلام الشيعي وليس الإسلام السني، فقد منح التنافس بين العثمانيين والصفويين أيضا لكل إمبراطورية منهما مسوغات التحدث بحماسة عن دفاعها عن الإسلام الحقيقي ضد مخربيه من السنة أو من الشيعة. وأدى نجاح الأسرة الصفوية في توجيه ولاء القبليين القزلباش إلى تأسيس الدولة الجديدة؛ إلى محاولة مقابلة لم تهدف فقط إلى قمع المتعاطفين مع الصفويين على نحو مباشر، بل أيضا إلى قمع كل الحركات المشابهة الموجودة بين قبائل الأناضول العثمانية. وكجزء من محاولة احتواء التهديد الصفوي، أقدم كل من السلطان العثماني بايزيد الثاني (الذي حكم من عام 1481 إلى عام 1512)، والسلطان العثماني سليم الأول (الذي حكم من عام 1512 إلى عام 1520) على عدة محاولات لقمع وجود القبليين القزلباش في أراضيهم.
41
إلا أننا عند مقارنة مساري الصوفية في ظل الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الصفوية، سنجد أن الأمر لا يتمثل فحسب في انتصار للصوفية القبلية في الأراضي الصفوية أدى إلى قمع مقابل للصوفية القبلية ودعم للصوفية المستقرة في الإمبراطورية العثمانية؛ والسبب في ذلك يعود إلى أنه مثلما رأينا في السابق معاناة الدولة العثمانية نفسها في احتواء جماعات الصوفية القبلية التي أسهمت بفاعلية في كل توسعاتها؛ فقد كان لزاما على الصفويين، من أجل تأسيس نظام مستقر للدولة الصفوية، إعادة تقييم جدوى أتباعهم الصوفيين القبليين. وفي حالة الدولة الصفوية، كانت عاقبة الصوفيين أكثر كارثية على نحو هائل من محاولة العثمانيين تحجيم الطرق الصوفية من خلال فرض قدر أكبر من التنظيم عليها؛ ذلك لأنه على مدار القرن السادس عشر حول هذا التغيير إيران الصفوية من دولة أوصلتها الصوفية إلى سدة الحكم إلى دولة تضطهد الصوفيين حتى شفا الانقراض.
شكل 3-2: الصوفي كجندي: بلطة درويش إيراني من أوائل العصر الحديث (بلطة درويش (إيران، القرن الثامن عشر تقريبا)، رقم القطعة: 3376. الصورة منشورة بإذن متحف الإثنولوجيا الوطني في ميونيخ (تصوير: ماريتا فايدنر)).
وعلى الرغم من أن القزلباش أثبتوا كفاءتهم في تقديم العنف اللازم لتوصيل كبار الطريقة الصفوية إلى العرش، فإنهم على المدى الطويل كانوا أقل فائدة في الحفاظ على الحكم المستقر للإمبراطورية الصفوية؛ إذ إنه كما أدركت كل إمبراطورية جديدة من إمبراطوريات هذه الفترة، ليست عوامل الترحال والعنف والولاء المطلوبة لغزو الأراضي كافية مطلقا لحكم تلك الأراضي؛ وهذا بدوره تطلب تعديل العلاقات الدينية عند التحول من غزو الأراضي إلى حكمها؛ ففي بداية الفترة الصفوية كان القزلباش آمنين بنحو أو آخر في مكانتهم الخاصة باعتبارهم المريدين الروحانيين للرجل الذي جعلوه ملكا. أما في العقود التالية، فقد رأى الحكام الصفويون أن علاقتهم الخاصة بالقزلباش تبعد عنهم الأعيان المقيمين وأصحاب النفوذ الآخرين، الذين كانوا في حاجة إلى كسب ولائهم، وأدركوا أيضا أن إطار الطريقة الصوفية لم يكن كافيا في نهاية الأمر للحفاظ على تلاحم الشعب.
42
وأدى ذلك إلى تضاؤل دور القزلباش القبليين تدريجيا في الحكم، إلى أن وجدوا أن ولاءهم للدولة في نهاية الأمر قد أسيء استغلاله، لدرجة أنهم أصبحوا جلادي الدولة، الذين يلتهمون أنوف وآذان المحكوم عليهم بالإعدام.
43
Unknown page