Sufiyya Nashatha Wa Tarikhha
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
وإذا كانت جاذبية الأولياء تعتبر في أغلب الأحيان موردا غير ملموس ورمزيا، فإنه من خلال ربط البركة بالقرابة في كثير من هذه البيئات من آسيا الوسطى إلى أفريقيا، أصبحت البركة من الأصول المادية القابلة لإعادة الإنتاج.
وإذا ابتعدنا عن النخب ونظرنا إلى العوام، فسنجد أن الأثر الأكبر لتبجيل الصوفيين تمثل في وضعه أسس إسلام تعبدي وفر فيها تبجيل الأولياء - الذي عد أكثر سهولة من تبجيل إله بعيد - وسيلة للتعبير الديني الشعبي. وكما هو الحال مع المظاهر الأخرى للثقافة الشعبية في فترة العصور الوسطى، فإن مصادرنا مقتصرة إلى حد كبير على الملاحظات المدونة عن الممارسات الشعبية التي كتبها المتعلمون، سواء المنتقدون المزدرون للعوام، مثل عالم الفقه الصوفي ابن تيمية (المتوفى عام 1328)، أو كتاب السير الصوفية المهتمون بخصائص السكان المحليين.
98
على الرغم من ذلك، فإن حقيقة أن وجود الأولياء كان جزءا من دين الشعب قدر ما كان جزءا من دين النخبة؛ تعني أننا يجب ألا نتخيل وجود أي تناقض صارخ بين إسلام «العوام» وإسلام «النخب»، كان فيه تبجيل الأولياء مقتصرا فقط على العوام.
99
فإن ما رأيناه عن تكون المعتقدات والمؤسسات المتعلقة بالأولياء بين العلماء والسلاطين يشير إلى أن تبجيل الأولياء ظهر في قمة الهرم الاجتماعي، وانتقل إلى ما دون ذلك. على الرغم من ذلك، فإن آليات إعادة الإنتاج الخاصة بالطرق الصوفية أدت إلى الانتشار التدريجي لشبكة هائلة من الأضرحة المشيدة لتبجيل الممثلين المحليين لمختلف الطرق الصوفية. وسمح تشييد هذه الأضرحة بالتواصل مع الله من خلال التفاعل مع أماكن مادية، وليس فقط من خلال النص القرآني أو حتى الأشخاص المقدسين أو الأماكن المقدسة؛ فلقد خلق إسلاما حلوليا وملموسا في بيئاته المحلية. وإن تبجيل الأولياء الصوفيين قد سمح باستخدام مجموعة كاملة من الأشياء المادية باعتبارها وسائل وأدوات للإسلام، بداية من أجزاء من كسوة ضريح، والتراب المكنوس من المقابر، إلى التذكارات المجلوبة من زيارات الأضرحة؛ مثل ماء الورد، أو الزهور، أو حتى ريش الطاووس الذي كان يعتقد أنه يحمل البركة من خلال احتكاكه بالضريح. ومن خلال هذا التوسيع لنطاق طرق التعبير عن الإسلام والتفاعل معه، زادت مشاركة الجماعات الاجتماعية الأقل اطلاعا نسبيا على القرآن الكريم، لا سيما النساء.
لم تكن النساء وحدهن اللاتي تعرفن على الإسلام بهذه السبل، فعلى الرغم من أنه لطالما سادت حالة من الجدل حول ما إذا كان الإسلام دينا حضريا في الأساس، فإن ممارسة منح الأراضي الزراعية للصوفيين من المغرب وحتى فلسطين وآسيا الوسطى والهند، في فترة العصور الوسطى، جعلت أول تواصل لكثير من الريفيين مع المؤسسات الإسلامية يحدث من خلال القنوات الصوفية؛
100
ففي الريف وليس دائما في المدن، كان الإسلام فعليا هو الصوفية، وكانت الصوفية بدورها إسلاما يتم التواصل فيه مع الله من خلال وساطة الأولياء المحليين الممثلين لله. وفي هذه السياقات، اتخذ تبجيل الأولياء أشكالا محلية مميزة من خلال دمج المفاهيم الإسلامية العامة مع المصطلحات اللغوية والطقوس المحلية إلى حد كبير. وعلى الرغم من أن التعبير عن هذا التبجيل للأولياء كان يتم بالتأكيد من خلال اللغات المحلية، فلم يبق من هذا الأدب الشعبي إلا القليل، أو لم يبق منه شيء مطلقا قبل القرن الخامس عشر. إلا أنه من خلال ما نعرفه يبدو أن الأولياء كانوا مصورين بطرق مناسبة بدقة للأعراف السائدة لمناصريهم؛ ففي جنوب الهند - على سبيل المثال - نجد المحليين يعبرون عن تبجيلهم للأولياء من خلال التهويدات المحلية الريفية، وأغاني العمل المبهجة الخاصة بطحن القمح.
101
Unknown page