Sufiyya Nashatha Wa Tarikhha
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
3
ونظرا لميلاد السهروردي في شمال إيران، فقد كان يرى نفسه وريثا لتقاليد عديدة من «الحكمة»، وقدم نظامه على أنه توضيح لما كان معروفا في السابق للإغريق الوثنيين والإيرانيين الزرادشتيين وأيضا الصوفيين الأوائل.
4
وعلى الرغم من أن احتمالية اعتباره هو نفسه صوفيا مسألة محل شك، فإنه بالتأكيد قد قضى وقتا كبيرا بصحبة الصوفيين، واستفاد من أفكارهم السابقة، وأثر على أفكارهم اللاحقة.
5
كان أعظم أعمال السهروردي هو «كتاب حكمة الإشراق»؛ في هذا الكتاب، وضع إطار ما أطلق عليه حكمة «الإشراق» (في إشارة إلى فكرة النور الأساسية)؛ حيث إن الشرق هو المكان الذي تشرق منه الشمس على الأفق الداخلي والأفق الخارجي؛ حيث يشرق نور المعرفة.
6
يرى السهروردي أن الكون وكل سكانه يتكونون في الأساس من النور المنبعث من الله، الذي هو نفسه ليس إلا نورا صافيا ذاتي الوجود. وأسفل الله يوجد الكون في صورة هرمية مكونة من كائنات نورانية، نورها (ومن ثم وجودها) نابع تماما من نور الله ومعتمد عليه. وكل كائن نوراني في هذه الهرمية السماوية يستمد النور من فوق ويعكسه لأسفل؛ أي يستمده من الله من خلال العوالم الملائكية إلى عالم البشر، ثم يرسله لأسفل إلى مستويات الحيوانات والنباتات والجمادات، كما أن كل شيء في الكون يوجد كدرجة من النور المستمد من الله، المنقول عبر هرمية الأنوار الكونية. ويرى السهروردي أن الهدف البشري - سواء أكان هدف أفلاطون في أثينا أم هدف الجنيد في بغداد - هو ارتقاء هذه الهرمية من خلال التواصل مع كل كائن من كائناتها النورانية واحدا تلو الآخر. وهذه الكائنات النورانية هي ما يطلق عليها الأشخاص العاديون ملائكة، وأهم ملك فيهم - بحسب رأي السهروردي - هو جبريل الذي نزل بالقرآن على النبي محمد، وهو «العقل الفعال» الذي ناقشه الفلاسفة. في هذا الصدد، نجد إعادة تشكيل لنموذج الطريقة الصوفية المكونة من أماكن على طريق رحلة عبر مراحل الوجود، التي هي نفسها عبارة عن أشكال من النور المتزايد النقاء الموصوف في آية النور في القرآن، والتي كتب الغزالي فيها رسالة قصيرة قبل ما يقل عن قرن.
وضع السهروردي بين العالم المادي والعالم الملائكي عالما وسيطا أطلق عليه «عالم المثال». كان هذا العالم الذي يمتلك شكلا ولا يمتلك جوهرا هو مكان التقاء البشر والكائنات الملائكية، وكان أيضا المكان الذي يذهب إليه البشر عندما يشاهدون الرؤى والأحلام. وكان لمكان الالتقاء الشفقي هذا بين الملائكة النورانية والأرواح الظلية للبشر أهمية محورية في نظام السهروردي؛ ففي هذا المكان يمكن للبشر أن يبدءوا في جمع «العلم الحضوري» (أي: المعرفة الناتجة عن التجربة)، الذي اعتبره أعلى من «العلم الحصولي» (أي: المعرفة المحصلة من الكتب والدروس)؛ لأن المعرفة في الرؤي لم تكن معلومات مكتسبة على نحو سلبي، بل تجربة حدثت على نحو نشط.
7
Unknown page