Sufiyya Nashatha Wa Tarikhha
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
وما زال من غير الواضح إلى أي مدى كان مرتبطا جهاد الرباطات الحدودي هذا بالتيارات الدينية الأخرى في الأندلس، بما في ذلك الصوفية. بالرغم من ذلك، تشير معاجم السير العربية الخاصة بالأندلس على نحو متكرر إلى الرباطات بوصفها أماكن للزهاد وما شابههم، وشكلت هذه الأماكن على نحو واضح الحياة اليومية للمقيمين فيها، حتى في حالة اشتراكهم في بعض الأحيان في الجهاد.
104
وكما كان الحال في خانقاوات خراسان الناشئة، فقد كانت الأدبيات الدينية تنتج أيضا في الرباطات، كما في حالة شعر الزهد الذي كتبه ابن طاهر الزاهد (المتوفى عام 988).
105
في صدى آخر لما سنراه بعد قليل فيما يتعلق بالروابط التجارية للرباطات التي ظهرت في إيران في نحو ذلك الوقت، قيل أيضا إن الرباطات الساحلية في إسبانيا والمغرب كانت مؤسسات متعددة الأغراض خدمت التجار البحريين وكذلك الزهاد.
106
وفي الغالب، فإن ما نراه في رباطات الأندلس هو مؤسسة دينية إقليمية، أصبحت - بالرغم من ارتباطها بالمحاربين المجاهدين على الحدود البيزنطية الشرقية - مميزة للغرب الإسلامي وكونت ثقافة فرعية دينية خاصة بها هناك. يعكس هذا حقيقة أن الصوفية انتهجت نسقا مختلفا في الأندلس في العموم؛ حيث تعرض منظروها هناك للهجوم بسبب الابتعاد الشديد عن الفهم الحرفي للنصوص الدينية الذي انتهجه المذهب المالكي. بالرغم من ذلك، وحتى في حالة عدم القدرة على التأكد من مدى الارتباط الوثيق بين «الروحانية العسكرية» لهذه الرباطات القديمة وبين الصوفيين الكثر في الأندلس؛ فإن اكتشاف رباط جواردامار يمكننا من أن نفحص بالتفصيل على المستوى الأثري كيف كان يبدو مأوى الزهاد المسلمين الأوائل (وربما يكونون صوفيين بالاستدلال). والسبب في ذلك يرجع إلى أنه مع مرور الزمن فقدت الرباطات أبعادها العسكرية القديمة، وأصبحت في الغالب أماكن لتعبد الصوفيين. وحتى إن لم نتمكن بسهولة من ربط الأجيال الأولى من ساكني الرباطات بالصوفيين في الأندلس، فإن رباط جواردامار يظل اكتشافا قيما على نحو هائل في تقديم أقدم آثار مادية لمساكن جماعية للصوفيين - أو أشباه الصوفيين - متاحة في أي مكان آخر في العالم، في فترة كانت تظهر فيها لأول مرة هذه المساكن المبنية لغرض معين في عدة أماكن إسلامية.
بالعودة إلى الشرق الأوسط، سنجد أن أقدم الشخصيات البارزة التي يمكن ربطها بتطور المساكن الجديدة الصوفية على نحو واضح، عاش في جنوب إيران، التي بسبب قربها الكبير من بغداد كونت على مدار القرن العاشر شكلا من الصوفية يشترك في كثير من الصفات مع الوعظ الأخلاقي، القائم على فكرة الصحو الخاص بالجنيد.
107
هذه الشخصية هي أبو إسحاق الكازروني (المتوفى عام 1035)، الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة كازرون - الموجودة جنوب إيران - التي عاش فيها، ودونت أفعاله في سيرة باللغة الفارسية ألفها ابن خليفته.
Unknown page