Al-Sūdān min al-tārīkh al-qadīm ilā riḥlat al-baʿtha al-miṣriyya (al-juzʾ al-thānī)
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Genres
14 نوفمبر سنة 1928
الإمضاء: عمر طوسون (10-3) النيل في عهد قدماء المصريين
يقول الأديب محسن عبد الفتاح حسين :
كان قدماء المصريين يطلقون على نهر النيل اسم «حابي» “Hapi” ، وهم لم يعرفوا مكان منبعه الحقيقي، وكانوا في تراتيلهم وتسبيحاتهم إلى إله النيل يصفونه ب «الإله المختفي» و(غير المرئي)، وأن مكانه السري غير معروف. والنهر الذي يشرف عليه هذا الإله (وهو نهر النيل) كانوا يعدونه جزءا من النهر أو المحيط السماوي الكبير الذي تسير عليه قوارب إله الشمس كل يوم. وكانوا يعتقدون أن هذا النهر السماوي يحيط بجميع بقاع الأرض، ولكنه ينفصل عنها بسلسلة من الجبال، وأن على ناحية من هذا النهر يوجد عرش أوزيريس تبعا لنص من نصوصهم الدينية، وبجانبه فتحة في سلسلة الجبال ينحدر منها فرع من النهر السماوي ويسيل على الأرض، وكانوا يقولون: إن المكان الذي يظهر فيه النيل هو عند الشلال الأول، ولكن في العصور الأخيرة من عهدهم كانوا يقولون: إن النيل يرتفع وينبع من بين جبلين قريبين من جزيرة أنس الوجود، وقد أسمى هيرودوتس هذين الجبلين (كروفي) و(موفي)، وهذان الاسمان محرفان عن الأصل المصري وهو (كور حابي) و(مو حابي)، ومعناهما على الترتيب (كهف حابي) و(ماء حابي).
وكان قدماء المصريين يطلقون على كل من نهر النيل وإله النيل الاسم (حاب) أو (حابي)، الذي كان ينطق في العصور الأخيرة (حوفي) أو (أوفي)، ومعناهما معروف. أما في عصور الأسر الأولى فكان إله النيل يسمى (حابور)، ومعناه (حابي الكبير).
والاسم (النيل) الذي يعرف به نهر القطر المصري ليس من أصل مصري، ولكنه في الغالب مأخوذ من الكلمة السامية «نهر، نهال» التي حرفها الإغريق إلى نهيلوس بالإغريقية وفيلوس باللاتينية، ومنها جاءت كلمة النيل.
ولمعرفة اعتقاد المصريين في قوة إله النيل تقرأ هذه التسبيحات - المقدمة لنهر النيل - وهي مكتوبة على ورقة من البردي محفوظة في المتحف البريطاني:
لك الإكرام يا حابي، إنك تظهر لكي تجعل مصر تعيش، إنك تروي الحقول التي خلقها رع، وتمد جميع الحيوانات بالحياة، وعندما تنزل من السماء فإنك تمد الأرض بالمياه بدون انقطاع، إنك صديق الخبز وكل ما يشرب، إنك تمد الحبوب بالقوة وتجعلها تنمو وفيرة، إنك تملأ كل مكان بالعمل - إنك سيد السمك، إنك خالق الحنطة والشعير، إنك حامي الفقير والمحتاج، وأنت إذا قهرت في السماء فإن الآلهة ترتمي على وجوهها ويهلك الرجال وتموت النساء، وعندما تظهر على الأرض فإن صيحات الفرح تملأ الهواء ويصبح جميع الناس سعداء؛ لأن كل شخص سينال طعامه، وكل سن ستمد باللحم «أي إن الإنسان سيكون غنيا حتى إنه سيأكل اللحم»، وأنت الذي تملأ مخازن المنازل بالأطعمة ومخازن الغلال بالحبوب، وتساعد الفقير والمحتاج، إنك أنت الذي تجعل الحشائش تنمو وتجعل كل إنسان غير محتاج للآخر.
وفي قطعة أخرى من هذه التسبيحة أيضا قالوا: إن الإله غير ممثل في تمثال، وإن صوره ليست مرئية «فليس هناك مكان كبير يسعه. وأنت لا تقدر أن تعمل له صورة «أي تتخيله» في قلبك». وهذه الكلمات ترينا سبب قلة تماثيل هذا الإله. وفي الحقيقة إن تماثيل إله النيل، كبيرة أو صغيرة، نادرة جدا.
أما من حيث عبادة النيل فقد كان هناك احتفالان مهمان. أولهما في شهر يونيو، ويسمى «ليلة الدمعة
Unknown page