357

Al-Sūdān min al-tārīkh al-qadīm ilā riḥlat al-baʿtha al-miṣriyya (al-juzʾ al-thānī)

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Genres

أما تقرير لجنة مياه النيل الذي يعتمد عليه في هذا الاتفاق فسببه أنه كان مقررا أن تكون مساحة الأطيان التي تزرع في الجزيرة 300 ألف فدان، فلما قتل السردار ورد في الإنذار الذي أرسل إلى الحكومة المصرية زيادة المساحة إلى مقدار غير محدود، فأجاب سعد باشا على ذلك أن هذه المسألة سابقة لأوانها، فرد اللورد اللنبي أنه أرسل تعليمات إلى حكومة السودان يطلق لها فيها الحرية في زيادة المساحة التي تروى بالجزيرة إلى حد غير محدود تبعا لما تقضي به الحاجة. ولما تولى زيور باشا رياسة الوزارة أرسل إلى اللورد اللنبي مذكرة قال فيها : «إن الإجراءات المنوه عنها بمذكرة 23 نوفمبر أحدثت في البلاد أشد المخاوف، وإن الحكومة المصرية كانت في جميع المفاوضات في الماضي متمسكة أشد التمسك بحقوقها بمياه النيل.» ولفت نظره إلى إعادة النظر في مسألة ري الجزيرة.

فأجابه اللورد اللنبي أن حكومة جلالة الملك تحت تأثير هذه الاعتبارات ودليلا على حسن مقاصدها تأمر حكومته بعدم تنفيذ التعليمات السابقة، وأن تشكل لجنة من الاختصاصيين تكون مأموريتها درس المسألة ووضع القواعد التي يمكن بمقتضاها تنظيم حالة الري بطريقة تراعى فيها مصالح مصر حق المراعاة وبدون اعتداء على حقوقها الطبيعية والتاريخية.

وهكذا تألفت اللجنة من المستر كنتر كريموز والمستر ماكجريجور وعبد الحميد سليمان باشا. (3-1) تأليف اللجنة

في 17 فبراير بدأت اللجنة أعمالها، وزارت قناطر الدلتا وأقلام مصلحة الطبيعيات، ثم زارت سد رشيد، وانتقلت بعد ذلك إلى الصعود في النيل، فكانت لها رحلة بحث تناول فيما تناول سد سنار وترع الجزيرة، والمكان الذي سيقام فيه سد جبل الأولياء وخزان أسوان وقناطر إسنا، والمكان الذي اختير لإقامة قناطر نجع حمادي والحياض المجاورة لسوهاج.

وفي خلال رحلاتها، وأثناء انعقاد جلساتها بالقاهرة، كانت تفحص الكثير من أرصاد مصلحة الطبيعيات ومصلحة الري، وتقابل عدة من كبار الموظفين في مصر وفي السودان، فتتبين آراءهم في الأمور ذات الصلة بمهمتها حتى إذا رجع أعضاؤها إلى القاهرة - وكان ذلك في آخر مارس - عكفوا على الإحصائيات يفحصون منها ما أعد لهم، ويطلبون غيره من المعلومات التي رأوا وهم يبحثون أن لا مناص من الوقوف عليها.

في هذه الفترة الدقيقة أخذت صحة رئيس اللجنة تبعث القلق في النفوس، ووجد جنابه عناء شديدا في مباشرة عمله، ثم اشتدت عليه الوطأة فتوفي في 21 مايو.

استدعى مرض الرئيس وموته وقف أعمال اللجنة وهي على وشك الفراغ من مهمتها، فعولت الحكومتان على تكليف المندوبين عنهما أن يستأنفا البحث الذي عطلته يد القدر زمنا، وأن يقدما التقرير النهائي. (3-2) تقرير اللجنة

بدأت اللجنة تقريرها بنظرة تاريخية عن ري السودان فقالت:

لما استقرت أمور السودان بعد فتحه في سنتي 1896-1898 احتاج إلى طلمبات لري مساحات يسيرة فيه فرخص له بإقامة هذه الطلمبات بعد موافقة الحكومة المصرية، ثم زادت على توالي الأيام مساحة الأراضي التي خولت هذا الحق. ومن الطلمبات ما ركب لتجربة زراعة القطن، ومنها ما جعل لزراعة الحبوب.

وليس من المساحات الواسعة في السودان ما هو قابل للري الصناعي سوى الجزيرة، وهي منطقة مثلثة بين النيل الأزرق والنيل الأبيض، رأسها عند الخرطوم، وتمتد جنوبا إلى سكة الحديد من سنار إلى كوستي. أما ما عدا هذه المنطقة من أراضي السودان فهو مما يروى بالأمطار ومما لا يقبل الري الصناعي. فكر في إمكان ري جزء من هذه الجزيرة منذ سنة 1905، وفي سنة 1913 أعد مشروع لري 100000 فدان منها بواسطة ترعة تستمد ماءها من التصرف الطبيعي للنيل الأزرق، مع إنشاء قنطرة عند مكوار للوصول إلى المناسيب المطلوبة، وكان الرأي إذ ذاك أن المشروع يمكن من زراعة القطن دون الإضرار بمصر. لكن تبين من زيادة الخبرة بأمور الزراعة ومن تقصير النيل على خلاف العادة في فيضان سنة 1913-1914 بطلان هذا الرأي، وثبت أنه لابد في المشروع من خزان، وأن الاقتصار على قنطرة موازنة لا يجدي نفعا. أما إذا أنشئ الخزان فيمكن زيادة المساحة إلى 100000 فدان دون حاجة إلى أخذ مياه النهر في دور انخفاضه. وهذه الزيادة في المساحة ضرورية لتغطية الزيادة في نفقات الخزان. وقد أفرغ المشروع في قالب جديد روعيت فيه هذه الاعتبارات، غير أن الحرب حالت دون الاستمرار فيه.

Unknown page