Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Genres
والباقي إلى جانبها لا يكاد يذكر. وهذه الحقيقة الهامة - أي المركز الفائق الذي للهند في الإمبراطورية البريطانية - من الحقائق التي لم نستطع أن نعثر عليها في كتاب «الإنكليز في بلادهم»، حيث أجمل الكلام عن الهند إجمالا، وأفاض المؤلف في حديثه عن الأراضي المستقلة. ولا ندري لماذا اختصر الحديث عن الهند، وعلى كل حال ليس حديث الهند بالحديث الذي ترتاح له الآذان. •••
وبعد - فحرصا على الوضوح - يجب أن نذكر هنا أن الإمبراطورية البريطانية تتألف من أراض مستقلة استقلالا أصبح اليوم تاما، وهي التي يطلق عليها اسم دومنيون، وأهمها كندا وأستراليا وزيلندة الجديدة وأفريقية الجنوبية ودولة أيرلندة الحرة، وهذه قد فصل الحديث عنها صاحب كتاب «الإنكليز في بلادهم» بأسلوب سهل واضح، وأرانا كيف حصلت هذه الأراضي على استقلالها بالتدريج حتى أصبحت في يومنا هذا ومركزها في الإمبراطورية معادل تماما لمركز إنكلترا نفسها، وإذا كان هذا الاستقلال مصدر قوة للإمبراطورية في نظر المؤلف فمن الجائز على كل حال أن يرى القارئ في هذا رأيا آخر. والمؤلف يضرب لنا مثلا بما حدث عام 1922 يوم كان هنالك احتمال قيام إنكلترا بحرب ضد تركيا فاستغاث لويد جورج بالدومنيون فلبت نداءه أستراليا وزيلندة الجديدة، ولم تلب نداءه كندا أو جنوب أفريقية. •••
والجزء الثاني الذي تتألف منه الإمبراطورية هي مستعمرات التاج وأراض تحت الحماية كما هي الحال في أوغندة وفي المستعمرات الأفريقية المختلفة. وهي كلها تحت حكم وزارة المستعمرات.
والجزء الثالث هو الهند أهم أجزاء الإمبراطورية جميعا . ويحكمه نائب عن الملك في الهند نفسها، تحت إشراف وزارة الهند الموجودة في لندن. ووزيرها من أهم وزراء الدولة.
والجزء الرابع من الإمبراطورية هو بالطبع الجزر البريطانية نفسها. •••
وأكبر ما تمتاز به الإمبراطورية البريطانية هو أنها مترامية الأطراف متباعدة الأجزاء؛ ولهذا كان لا بد من خلق رابطة تربطها، وتصل بين أجزائها. وهذه الرابطة التي بقوتها بقوتها تقوى الإمبراطورية وبضعفها تضعف، هي قوة الأسطول؛ لأنه إذا استحال الاتصال البري - كما هو الحال في إمبراطورية الروسيا - فمن الواجب الحرص على الاتصال البحري، والتفوق فيه أمر حيوي جدا للإمبراطورية البريطانية. وهذا التفوق أمر حساس جدا في الدفاع البريطاني، وكانت الدولة البريطانية تحرص أشد الحرص قبل الحرب علي أن يكون الأسطول الإنكليزي متفوقا في القوة على أي أسطولين لأي دولتين. وهذه هي السنة التي استنتها إنكلترا قبل الحرب، وحرصت جهدها على أن تحافظ عليها، وسلمت لها الدول بها. ولم تحاول أن تجابهها في ذلك سوى ألمانيا، ومن أجل هذا لم يكن مفر لإنكلترا من دخول الحرب ضدها لهذا السبب؛ لا لأي سبب آخر.
وهذا المبدأ الذي استنته إنكلترا مبدأ تفوق الأسطول الإنكليزي سنة معقولة، بل هو مبدأ لا بد منه لسلامة تلك الدولة المترامية الأطراف. خصوصا إذا ذكرنا أنه ليس للهند ولا لكندا أو أستراليا أو أفريقية الجنوبية أسطول يستحق الذكر. فالمعقول أن يكون لدى إنكلترا أسطول فائق لجميع الأساطيل، خشية أن تتألب عليها أساطيل دولتين أو أكثر فتمزق الإمبراطورية شر ممزق.
ولقد كان من أهم حوادث التاريخ الحديث أن تخلت إنكلترا، أو أكرهت على التخلي عن مبدأ التفوق، وقبلت - أو أرغمت على قبول - المساواة بالولايات المتحدة. حيث تكون نسبة السفن القوية بين بريطانيا وأمريكا واليابان وإيطاليا وفرنسا هي على التوالي بنسبة 5 : 5 : 3 : 2,5 : 2,5. (6) سياسة الإنكليز في البلاد الخاضعة لنفوذهم
للاستعمار الإنكليزي طابع خاص يجعله مختلفا عن استعمار الممالك الأخرى: فلا يبدأ الإنكليز بتعبئة الجيوش وإرسال الأساطيل لاحتلال البلاد التي يريدون استعمارها. بل يبدأون بإرسال الرحالة المغامرين والعلماء الكاشفين والمستشرقين وكتابتهم التقارير عن أحوال البلاد ولغاتها وحكوماتها الوطنية وأخلاق أبنائها وعاداتهم ونقط الضعف عندهم، ثم تنشأ مراكز تجارية وشركات تجارية وقنصليات، وتعقد معاهدات تجارية، تتطور إلى معاهدات سياسية، وتبث إنكلترا بعض رجالها كموظفين فنيين ومستشارين في الحكومات الوطنية.
ويعتمد الإنكليز على الفرص وعلى الزمن، ومن الفرص النزاع بين العصبيات والأديان والمذاهب، والثورات بين الأمراء، فيستطيع الإنكليزي ولو كان تاجرا واحدا - بخلقه المتين وبما يشعر به من روح السيادة - أن ينال ثقة الحكومات الوطنية المتنازعة في وقت واحد، وأن يكون الحكم الذي يطاع حكمه من غير إراقة نقطة دم. وقد استطاع الكولونيل لورنس أن يظفر بثقة الشريف «الملك حسين» ملك الحجاز سابقا وأولاده وأن يلقبه الكتاب بملك العرب غير المتوج، واستطاع مستر «عبد الله» فلبي أن يظفر بثقة الملك ابن السعود إلى اليوم. •••
Unknown page