123

Subul Wa Manahij

سبل ومناهج

Genres

لقد ارتكب هذا الأب الكريم جريمتين: الأولى وهي هدم ما بنته المدرسة من تعويد ولده على الدقة وضبط الوقت، والثانية هي تعليم ابنه الكذب بالمثل، ويا له مثلا صالحا يرفعه إلى أسفل! والغريب هو أن يكلف ذاك الأب الصادق نفسه ويسعى إلينا ليشكرنا؛ لأننا صدقنا أن هناك أسبابا عائلية حالت دون حضور المحروس إلى المدرسة في الوقت المعين.

وإذا رأى الأب شدة، فقد يستعين بطبيب البيت فيخربش له ورقة، وهنا نلبس الكذبة ثوبا رسميا، فلا بد من تأدية التحية لها فضلا عن قبولها! وكأن أبا الطالب في هذا العمل يقول لابنه: تعلم يا صبي، هكذا يجب أن تعمل إذا ضاقت بك الحيل.

فيا ليت شعري، كيف تكافح المدارس عادات مثل هؤلاء الفتيان؟! كيف تعودهم على الدقة والضبط؟ وكيف تقوي إرادتهم؟

وكأني بمثل هذا الأب حين يرمي ولده في أحضان المدرسة يحس أنه ألقى عن ظهره حملا ثقيلا، وانتظر أن يعود ابنه إليه كاملا مكملا، إنه لا يعلم أنه يفسد ما تصلحه المدرسة بشطحة قلم، ويا ليت الضرر لا يتعدى ابنه! فهذا درس يتعلمه ضعفاء الإرادة من الطلاب فيلجئون حين تراودهم التجربة إلى مثل ما لجأ إليه رفيقهم.

وهذا الأب الضعيف الرأي، الخائر الهمة، لا يستحي أن يسألك بعد حين عن محافظة ابنه على النظام، فإذا ذكرته بتلك الرسالة حلف على مسمع ولده بالغالي والرخيص - وأولهما حياتك - أن ذلك هو الواقع ، وهنا ينتقل بابنه من درس إلى درس.

فيا أيها الأولياء، ساعدوا المدارس تساعدكم على تهذيب أولادكم، إن الحنان الوالدي له حد يجب أن يقف عنده، فليس الخلاف هنا على قضية درس فات ليعوضه ذكاء المحروس، إن القضية لأهم من ذلك، فاعلموا إن كنتم تعلمون أن عمل المدرسة عمل تكوين قبل كل شيء، فإذا لم يتعود ولدكم أن يأتي الأمور في أوقاتها لا يأمن شر فواتها ... إن عمل المدرسة غرس عادات لا بد منها للنضال في حرب الحياة، فساعدوها على تقويم أبنائكم، وإن عجزتم عن المعونة فميلوا على الأقل من طريق المدرسة ولا تعرقلوا السير.

بلا عنوان

«الوقت من ذهب»، كلمة تدور على ألسنة الناس، وكثيرون منهم يضحكون حين تقال، فتراهم يثرثرون ما طابت لهم الثرثرة، فيضيعون وقتهم ووقت غيرهم من خلق الله، إن الذهب لا يعادل الوقت ثمنا؛ لأن ضربة محكمة - لا تقتضي إلا قليلا من الوقت - تساوي أحيانا منجما من ذهب، ولهذا قال شاعر عتيق جدا: إن الخسارة التي تقع في دقيقة ما قد لا يعوضها الدهر الأزلي الأبدي. رب دقيقة أضاعها فاتح خسرته بلادا جديدة، وضعضعت جيوشه، وخطت له في التاريخ أسطر الخيبة والانكسار.

قال هوراس مان: «بين شروق الشمس وغروبها أضيع في مكان ما ساعتين من ذهب مرصعتين بستين دقيقة من الألماس، ولم توضع جائزة للبحث عنهما؛ لأنهما لا ترجعان.»

وقال شاعرنا العربي:

Unknown page