Subh al-aʿsa fi sinaʿat al-insaʾ
صبح الأعشى في صناعة الانشاء
Publisher
دار الكتب العلمية
Publisher Location
بيروت
لكن الله يشهد وكفى بالله شهيدا ما أردت بعثمان نقصا، ولقد كان سبّاقا إلى الخيرات، وإنه لرفيع الدرجة- قال فما تقولين في طلحة بن عبيد الله؟ - قالت وما عسى أن أقول في طلحة! أغتيل من مأمنه، وأتي من حيث لم يحذر، وقد وعده رسول الله ﵌ الجنة- قال فما تقولين في الزبير؟ قالت يا هذا لا تدعني كرجيع الضّبع يعرك في المركن- قال حقّا لتقولنّ ذلك وقد عزمت عليك- قالت وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمة رسول الله ﵌ وحواريّه، وقد شهد له رسول الله ﵌ بالجنة، ولقد كان سبّاقا إلى كل مكرمة في الإسلام.
وإني أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشا تحدّث أنك من أحلمها أن تسعني بفضل حلمك، وأن تعفيني من هذه المسائل، وامض لما شئت من غيرها- قال نعم وكرامة قد أعفيتك؛ وردّها مكرمة إلى بلدها.
ونحو ذلك كلام الزرقاء بنت عديّ بن قيس الهمدانيّة يوم صفّين أيضا.
يروى أنها ذكرت عند معاوية يوما، فقال لجلسائه أيكم يحفظ كلامها؟ - قال بعضهم نحن نحفظه يا أمير المؤمنين- قال فأشيروا عليّ في أمرها فأشار بعضهم بقتلها- فقال بئس الرأي! أيحسن بمثلي أن يقتل أمرأة؟. ثم كتب إلى عامله بالكوفة أن يوفدها إليه مع ثقة من ذوي محرمها وعدّة من فرسان قومها، وأن يمهّد لها وطاء ليّنا، ويسترها بستر خصيف، ويوسع لها في النفقة. فلما دخلت على معاوية قال مرحبا بك وأهلا! قدمت خير مقدم قدمه وافد، كيف حالك؟ - قالت بخير يا أمير المؤمنين أدام الله لك النعمة! - قال كيف كنت في مسيرك؟ قالت ربيبة بيت أو طفلا ممهّدا- قال بذلك أمرناهم. أتدرين فيم بعثت إليك؟ - قالت وأنّى لي بعلم ما لم أعلم؟ وما يعلم الغيب إلا الله ﷿ قال ألست الراكبة الجمل الأحمر، والواقفة بين الصفّين بصفّين تحضّين الناس على القتال، وتوقدين الحرب؟ فما حملك على ذلك؟ - قالت يا أمير المؤمنين مات الرأس، وبتر الذّنب، ولن يعود ما ذهب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر- قال لها معاوية أتحفظين كلامك يومئذ؟ - قالت: لا والله ولقد أنسيته- قال لكني أحفظه لله أبوك حين تقولين:
1 / 299