Study of the Science of Religions - Its Importance and Researchers' Approaches -
دراسة علم الأديان - أهميتها ومناهج الباحثين فيها -
Genres
دراسة علم الأديان
أهميتها ومناهج الباحثين فيها
د. عبد المجيد بن محمد الوعلان
1 / 1
المقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
فإن دراسة علم الأديان، أهميتها وضوابطها الشرعية، ومناهج الباحثين فيها قديمًا وحديثًا، وبيان المنهج الحق من حيث التلقي والاستدلال والعرض، من الموضوعات المتعلقة بالعقيدة التي ينبغي العناية بها، "وتأتي أهمية الكتابة في هذا الموضوع من خطورة تلك الديانات الضالة والمذاهب والاتجاهات المنحرفة الهدامة على المسلمين وعلى البشرية أجمع، ولأن المسلم، يجب أن يكون على جانب كبير من الإدراك واليقظة والاهتمام بأمر دينه وأمته، وعلى علم وبصيرة بما يدور حوله من الآراء والمناهج والاتجاهات الضالة التي تعصف بالمسلمين وبالبشرية جمعاء، ليكون خير داع إلى الهدى وخير منقذ من الضلالة.
فالصراع بين الحق والباطل سنة الله في خلقه، والحق لا ينصره إلا من يعرف الخير ويعمل به ويدعو إليه، ويعرف الشر ويجتنبه ويحذر منه" (^١).
وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة.
أما المقدمة فتشتمل على:
- أهمية البحث.
- خطة البحث.
- منهج البحث.
أما التمهيد فيشتمل على:
- تعريف علم الأديان ومسمياته.
الفصل الأول: - مشروعية دراسة علم الأديان، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: - الأدلة من القرآن الكريم.
- المبحث الثاني: - الأدلة من السنة النبوية.
- المبحث الثالث: - الأدلة من آثار الصحابة والسلف.
_________
(^١) الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة، تأليف ناصر القفاري وناصر العقل ص ٦، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، بتصرف يسير. وانظر مقدمات في علم المقالات تأليف د. محمد خليفة التميمي ص ٢٦ - ٣١، أضواء السلف الرياض - الطبعة الأولى.
1 / 2
الفصل الثاني: - فوائد دراسة علم الأديان، ويشتمل على خمسة مباحث:
- المبحث الأول: - حفظ الإسلام.
- المبحث الثاني: - دعوة الكفار إلى الإسلام.
- المبحث الثالث: - الرد على شبهات أهل الديانات.
- المبحث الرابع: - العبرة والعظة.
- المبحث الخامس: - استبانة سبيل المجرمين.
الفصل الثالث: الضوابط الشرعية لدراسة علم الأديان، ويشتمل على سبعة ضوابط:
- الضابط الأول: الإخلاص.
- الضابط الثاني: العلم.
- الضابط الثالث: تقديم المصلحة والمفسدة في دراسة علم الأديان.
- الضابط الرابع: الرجوع إلى المصادر.
- الضابط الخامس: التجرد من الهوى.
- الضابط السادس: العدل والإنصاف.
- الضابط السابع: الالتزام بالمصطلحات الشرعية.
الفصل الرابع: مناهج الباحثين في دراسة علم الأديان بصفة عامة، ويشتمل على أربعة مباحث:
- المبحث الأول: التعريف بهذا العلم.
- المبحث الثاني: أهمية مناهج البحث.
- المبحث الثالث: علاقة هذا العلم بعلم الأديان.
- المبحث الرابع: مناهج البحث ويشتمل على ستة مطالب:
المطلب الأول: المنهج التاريخي الوصفي.
المطلب الثاني: المنهج التحليلي النقدي.
المطلب الثالث: المنهج المقارن.
المطلب الرابع: المنهج العلمي التجريبي.
المطلب الخامس: منهج الجدال والرد والمحاجة.
المطلب السادس: المنهج العلمي الشامل في دراسة الأديان.
1 / 3
الفصل الخامس: منهج أهل السنة في دراسة الأديان، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: منهج التلقي ومصادر الاستدلال.
- المبحث الثاني: منهج الاستدلال.
- المبحث الثالث: منهج العرض والرد.
الفصل السادس: مناهج المخالفين لأهل السنة في دراسة علم الأديان ونقدها، ويشتمل على أربعة مباحث:
- المبحث الأول: مناهج أهل الكلام في دراسة علم الأديان.
- المبحث الثاني: الأسس المنهجية لدراسة الأديان عند أهل الكلام ونقدها.
- المبحث الثالث: مناهج الكفار في دراسة علم الأديان
- المبحث الرابع: مناهج المستشرفين في دراسة علم الأديان والملل وتقويمه وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: المسلمات التي انطلق منها المستشرقون.
المطلب الثاني: منهج المستشرقين في دراسة الأديان.
المطلب الثالث: أساليب المستشرقين في الدراسات الإسلامية.
أما الخاتمة فقد ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها.
أما منهجي في البحث فهو كالتالي:
١ - عزو الآيات إلى أماكنها في القرآن، وذلك ببيان اسم السورة ورقم الآية ووضعها بين قوسين ﴿﴾.
٢ - تخريج الأحاديث والآثار وذلك بذكر المصدر ورقم الحديث إن وجد ورقم الجزء والصفحة.
٣ - عمل فهرس للمراجع.
٤ - عمل فهرس للموضوعات.
أسأل الله ﷾ أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د: عبد المجيد بن محمد الوعلان
awalaan@gmail.com
1 / 4
التمهيد
تعريف علم الأديان ومسمياته:
هو العلم الذي يعني بمقالات الأمم الكافرة؛ فالمقالات عمومًا تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: المقالات الواقعة في هذه الأمة.
القسم الثاني: مقالات الأمم الأخرى.
ولذلك لما ألف أبو الحسن الأشعري في علم المقالات، أَلفَ كتابا سماه "مقالات الإسلاميين" وكتابا آخر سماه "مقالات غير الإسلاميين".
ولكن الذي استقر عليه الحال في الوقت الحاضر هو الفصل بين هذين النوعين من المقالات، بتسمية مقالات غير الإسلاميين بـ "علم الأديان"، وتسمية مقالات الإسلاميين بـ "علم الفرق".
ومن المعلوم أنه في العصر الراهن شققت بعض العلوم وفرع عنها عدة علوم، ومن ذلك علم المقالات الذي تفرع إلى العلوم التالية:
١ - علم الفرق.
٢ - علم الأديان.
٣ - علم المذاهب المعاصرة (^١).
وعلم الأديان له عدة مصطلحات منها: تاريخ الأديان ومقارنة الأديان، والمقالات، والملل والنحل.
ويذكر الباحثون (^٢) بأن علم الأديان يشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تاريخ الأديان: وهي تلك الدراسة الوصفية، التحليلية الخاصة بملةٍ ملة، وهي التي يمكن أن تعرفنا نشأة ديانة ما، وحياة مؤسسها ... وأسباب انتشارها وألوان تطورها.
المبحث الثاني: الأسس والمبادئ: ويدرس في هذا المبحث العلاقات بين الأسس التي تستند إليها الأديان المختلفة، من عقيدة وعبادة وشريعة وأخلاق ومعاملات، والغايات التي تهدف إليها، ومن أهم الموضوعات في هذا المبحث موضوع الألوهية.
المبحث الثالث: مقارنة الأديان: ويدرس فيه خصائص ومميزات كل دين، ويوازن بينها وبين خصائص ومميزات الأديان الأخرى (^٣).
_________
(^١) مقدمات في علم المقالات ص ١٣ - ١٤.
(^٢) علم الملل ومناهج العلماء فيه، تأليف أحمد جود ص ١١ - ١٢، دار الفضيلة، الرياض الطبعة الأولى.
(^٣) الأديان دراسة تاريخية مقارنة -القسم الأول، د. رشدي عليان وسعدون الساموك، ص ١٨، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد.
1 / 5
الفصل الأول: مشروعية دراسة علم الأديان
المتأمل في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية يجد أن هناك عناية بجانب علم الأديان، فقد أوردت النصوص عددًا من الأديان وذكرت جانبًا من عقائدها، والتي كان بعضها على الحق ثم حرفت، فذكر على سبيل المثال اليهودية، والنصرانية، والصابئة، وعبادة الأصنام وغيرها. ثم بينت النصوص مخالفتها للحق وزيفها وحذرت منها وذمت أصحابها وسنذكر إن شاء الله تعالى الأدلة على ذلك.
المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم:
لقد جاء ذكر الأديان في القرآن بشكل واضح وكبير وقد جمعت بعض الآيات ستة من الأديان وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧)﴾ [الحج: ١٧] (^١).
ومن الآيات التي جاء فيها ذكر الديانات وشيء من عقائدها، والرد عليها قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧)﴾ [آل عمران: ٦٧] (^٢). وقوله تعالى: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦)﴾ [المائدة: ٤٦] (^٣).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨)﴾ [النساء: ١٥٧ - ١٥٨] (^٤). إلى غير ذلك من الآيات.
_________
(^١) سورة الحج الآية: ١٧.
(^٢) سورة آل عمران الآية: ٦٧.
(^٣) سورة المائدة الآية: ٤٦.
(^٤) سورة النساء الآيات ١٥٧ - ١٥٨.
1 / 6
المبحث الثاني: - الأدلة من السنة:
السنة هي الوحي الثاني وقد جاء فيها من ذكر الأديان مثل ما جاء في القرآن الكريم حتى أن النبي ﷺ لا يزال يذكر هذه الديانات ويحذر منها حتى عند وفاته حيث يقول ﷺ: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (^١).
وقد عرف النبي ﷺ أمته "الأنبياء وأممهم، وما جرى لهم وما جرى عليه معهم، حتى كأنهم كانوا بينهم" (^٢). ولذلك تجد في كتب السنة كتبًا وأبوابًا تتحدث عن الأنبياء، مثل كتاب أحاديث الأنبياء في صحيح البخاري.
ومن الأدلة على ذلك قوله ﷺ: "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" (^٣)، وقوله ﷺ: تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" (^٤)، إلى غير ذلك من الأحاديث.
المبحث الثالث: الأدلة من آثار الصحابة والسلف:
الصحابة هم الجيل الذي اختارهم الله لصحبه نبيه ﷺ، ولذلك فهم أعلم الناس بمراد الله ومراد رسوله ﷺ وهم خير القرون بشهادة النبي ﷺ لهم حيث قال: " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" (^٥).
ومواقف الصحابة في ذلك كثيرة منها: محاورة جعفر بن أبي طالب مع النجاشي وفد قريش (^٦). وجدال أبي بكر ﵁ مع اليهود (^٧)، وجدال عمر ﵁ مع اليهود (^٨).
تلك بعض الإشارات عما حواه كتاب الله ﷿ وسنة نبيه ﷺ وهدي أصحابه ﵃ من ذكر الأديان الباطلة ومجادلة أهلها مما يؤكد ضرورة الاهتمام بتلك الأديان بقصد بيان زيغها وفسادها والرد عليها والتحذير منها ومن الوقوع فيها.
_________
(^١) رواه مسلم: كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد ص ٢١٤، رقم الحديث ٥٢٩.
(^٢) اعلام الموقعين لابن القيم ٤/ ٢٨٥ - ٢٨٦ - الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
(^٣) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل رقم الحديث ٣٤٦١.
(^٤) رواه أبو داود رقم ٤٥٨٣. والترمذي الحديث رقم ٢٧٧٨.
(^٥) أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد ص ٥٠٢، رقم الحديث ٢٦٥٢.
(^٦) السيرة النبوية لأبي محمد عبد الملك بن هشام مراجعة وتعليق محمد محي الدين عبد الحميد، ص ٢/ ١٨٧ - ١٨٨ مكتبة التراث، القاهرة.
(^٧) المصدر السابق ص ٢/ ١٨٧ - ١٨٨.
(^٨) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ١/ ٤٣٣ - ٤٣٤، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، الطبعة الثالثة.
1 / 7
الفصل الثاني: فوائد دراسة علم الأديان
المبحث الأول: حفظ الإسلام:
"لما كان محمد ﷺ خاتم النبيين، ولم يكن بعده رسول، لم يزل ﷾ يقيم لتجديد الدين من الأسباب ما يكون مقتضيًا لظهوره، كما وعد به في الكتاب، فيظهر به محاسن الإيمان ومجامعه، ويعرف به مساوئ الكفر ومفاسده.
ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين، وبيان حقيقة أنباء المرسلين، ظهور المعارضين له من أهل الإفك المبين كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)﴾ [الأنعام: ١١٢ - ١١٥]. (^١)
وذلك أن الحق - إذا جحد وعورض بالشبهات- أقام الله تعالى- له مما يحق به الحق ويبطل به الباطل من الآيات البينات بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة، وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة" (^٢).
المبحث الثاني: دعوة الكفار إلى الإسلام:
"إن الهدف الأول والأساس من دراسة الأديان عند المسلمين هو دعوة أهله إلى الإسلام وذلك انطلاقًا من الإيمان بوجوب الدعوة، فقد ورد في الأمر بالدعوة نصوص كثيرة منها: قوله تعالى ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥] (^٣). وقال تعالى: ﴿(١٤) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [الشورى: ١٥] (^٤).
_________
(^١) سورة الأنعام الآيات: ١١٢ - ١١٥.
(^٢) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية تحقيق د. علي الألمعي ود. عبد العزيز العسكر ود. حمدان الحمدان ص ١/ ٦٠ - ٦١، دار الفضيلة، الرياض، الطبعة الأولى.
(^٣) سورة النحل الآية: ١٢٥.
(^٤) سورة الشورى الآية: ١٥.
1 / 8
وقد قام النبي ﷺ بالدعوة إلى الله امتثالًا لأمر ربه فدعا جميع أهل الأديان إلى الإسلام، فأرسل رسله إلى جميع ملوك الأرض، وحاور جميع الأصناف المخالفين للحق، وخاصة أهل الكتاب قال تعالى: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)﴾ [آل عمران: ٦٤] (^١) " (^٢).
المبحث الثالث: الرد على شبهات أهل الأديان:
في تاريخ الأديان والملل لم يتعرض دين ولا ملة مثلما تعرض له دين الإسلام من خصومه من محاولات لتشويهه وتحريفه، وإثارة الشبهات حوله، فقد تعرضت أصوله وفروعه هجومًا شرسًا منذ أن وقف النبي ﷺ يصدع بدعوة الحق مبلغًا رسالة ربه، ومناديًا للناس أن يدخلوا دين الله الحق، وأن ينبذوا ما سواه من الأديان والملل.
من ذلك الوقت أعلن أهل الباطل حربهم على الإسلام، وكانت إثارة الشبهات، والشكوك أهم الأسباب، وأنجع الوسائل عندهم، وكان القرآن يتصدى لشبهاتهم، ويفندها بالحجج، والبراهين القاطعة، قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣)﴾ [الفرقان: ٣٣] (^٣).
فالله يخبر رسوله بأنهم لا يأتون بحجة، أو شبهة، ولا يقولون قولا يعترضون به الحق، إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر، وأبين، وأوضح، وأفصح من مقالاتهم (^٤).
ولما قام أعداء الدين بإثارة الشبهات، والشكوك بين المسلمين، وبدأوا يبتدعون أمورًا لا أصل لها في الدين، ويفرقون بين المسلمين، قام علماء المسلمين بحق الله عليهم فكشفوا صنوف المؤامرات التي كانت ضد الإسلام، فردوا الشبهات التي كان أهل الأديان يبثونها بين المسلمين في محاولاتهم اليائسة لوقف زحف الإسلام، وبذلك انتصر الإسلام في ميدان الفكر كانتصاره في ميدان الجهاد بالسنان.
إن كشف زيف الباطل، وبيان الشبهات التي يختلقها أهل الباطل، وردها ردًا محكمًا أصل عظيم من أصول الإسلام، وباب من أبواب الجهاد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالراد على أهل البدع مجاهد" (^٥). ونقل عن يحيى بن يحيى أنه قال: "الذب عن السنة أفضل الجهاد" (^٦). وقال الشيخ بكر أبو زيد: " فالرد على أهل الباطل، ومجادلتهم ومناظرتهم حتى تنقطع شبهتهم، ويزول عن المسلمين ضررهم مرتبة من منازل الجهاد باللسان، والقلم أحد اللسانين" (^٧). وبهذا تتم حماية الدين وحراسته (^٨).
_________
(^١) سورة آل عمران الآية: ٦٤.
(^٢) انظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ١٥٧.
(^٣) سورة الفرقان الآية: ٣٣.
(^٤) انظر: تفسير ابن كثير ٣/ ٢٩٨، دار المفيد، بيروت الطبعة الأولى.
(^٥) انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبدالرحمن بن قاسم، ص ٤/ ١٣، دار عالم الكتب، الرياض، ١٤١٢.
(^٦) المصدر السابق ٤/ ١٣.
(^٧) الرد على المخالف من أصول الإسلام بكر أبو زيد، ص ٢٩، دار الهجرة، الطبعة الثانية.
(^٨) علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ١٦١ - ١٦٤.
1 / 9
المبحث الرابع: العبرة والعظة:
لقد تحدث القرآن كثيرًا عن قصص السابقين، فقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (٩٩)﴾ [طه: ٩٩] (^١). وقال عقب حديثه عن الأمم السابقين: ﴿تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [الأعراف: ١٠١] (^٢). وأمر الله -سبحانه- نبيه محمدًا ﷺ أن يقص على الناس ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٦ - ١٧٧] (^٣). ووصف ﷾ تلك القصص الواردة في القرآن بأنه قصص حق فقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٦٢] (^٤). وذلك لمطابقتها الواقع، ووصف سبحانه تلك القصص بأنها أحسن القصص، فقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)﴾ [يوسف: ٢ - ٣] (^٥). وفي الآية إشارة تدل بأنه يجب أن نكتفي من القصص السابقين ما ورد في القرآن، لأنه كاف عن كل ما سواه من الكتب (^٦).
ولأن ما عداه إما كتب غير موثوقة، أو مشكوك فيها، كما أن أخبار السابقين صارت بالنسبة لنا من أمر الغيب الذي لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق مصدر موثوق، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)﴾ [آل عمران: ٤٤] (^٧).
_________
(^١) سورة طه الآية: ٩٩.
(^٢) سورة الأعراف الآية: ١٠١.
(^٣) سورة الأعراف الآية: ١٧٦ - ١٧٧.
(^٤) سورة آل عمران الآية: ٦٢.
(^٥) سورة يوسف الآية: ٢.
(^٦) تفسير ابن كثير ٢/ ٤٢٥.
(^٧) سورة آل عمران الآية: ٤٤.
1 / 10
فالقصص بما تحوي من الحوادث المتشابهة تساعد الإنسان على معرفة السنن الربانية التي لا تتخلف - إلا أن يشاء الله- وذلك بقياس الحاضر على الماضي، قال ابن تيمية ﵀: " ومن هذا الباب صارت قصص المتقدمين عبرة لنا، ولولا القياس، واطراد فعله وسنته لم يصح الاعتبار بها، لأن الاعتبار إنما يكون إذا كان حكم الشيء حكم نظيره كالأمثال المضروبة في القرآن" (^١).
المبحث الخامس: استبانة سبيل المجرمين:
من أهم الأهداف، وأجل الغايات التي تحصل من دراسة الأديان معرفة سبيل المجرمين، قال تعالى عقب حديثه عن الرسل والرسالات: ﴿(٥٤) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٥] (^٢)، والله قد بين في كتابه سبيل المؤمنين مفصلة، وسبيل المجرمين مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة، وأعمال هؤلاء، وأعمال هؤلاء، وأولياء هؤلاء، وأولياء هؤلاء، وخذلانه لهؤلاء، وتوفيقه لهؤلاء، والأسباب التي وفق بها هؤلاء، والأسباب التي خذل بها هؤلاء ... والعالمون بالله وكتابه، ودينه، عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان، كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده، والطريق الموصل إلى الهلكة، فهؤلاء أعلم الخلق، وأنفعهم للناس، وأنصحهم لهم، وهم الأدلاء الهداة، وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة، فإنهم نشأوا في سبيل الضلال، والكفر، والشرك، والسبل الموصلة إلى الهلاك، وعرفوها مفصلة، ثم جاءهم الرسول، فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى، وصراط الله المستقيم (^٣).
"والله -سبحانه- يحب أن تُعرف سبيل أعدائه لتُجتنب، وتُبغض، كما يحب أن تُعرف سبل أوليائه، لتحب وتسلك، وفي هذه المعرفة من الفوائد، والأسرار ما لا يعلمه إلا الله .. " (^٤).
إن تميز أهل الحق عن أهل الباطل من أهل الأهواء والبدع، ومن أهل الأديان والنحل الباطلة، قضية في غاية الأهمية، فقد حرص السلف -رضوان الله عليهم- ذلك، وما تسمية أهل الحق بألقاب "أهل السنة والجماعة" و"السلف" و"أهل الحديث" و"أهل الأثر" إلا من باب التمايز، وتبين سبيل الحق عن سبل أهل الضلال، وإذا كان التمايز عن أهل البدع الذين هم من أهل القبلة مطلوبًا شرعًا فإن غيرهم من أهل الأديان والنحل الباطلة من باب الأولى (^٥).
_________
(^١) جامع الرسائل، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم ص ٥٥، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى. وانظر: علم الملل ومناهج العلماء فيها ١٦٧ - ١٦٩.
(^٢) سورة الأنعام الآية: ٥٥.
(^٣) انظر: الفوائد لان القيم الجوزية، تحقيق محمد عثمان الخشب ص ١٦١، دار الكتاب العربي - بيروت، ط الرابعة ١٤١٠ هـ ١٩٩٠ م.
(^٤) المصدر السابق ص ١٦٤.
(^٥) انظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ١٦٥ - ١٦٦.
1 / 11
الفصل الثالث: الضوابط الشرعية لدراسة علم الأديان
إن لهذا العلم ضوابط ينبغي الالتزام بها، وهذه الضوابط ليست خاصة به، بل هي عامة في كل أمر يراد بحثه، فمن هذه الضوابط:
الضابط الأول: الإخلاص:
وهو أن يبتغي الإنسان بعلمه وعمله وجه الله تعالى، قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)﴾ [الكهف: ١١٠] فالعمل المتقبل من العبد ما كان موافقًا للشرع، مرادًا به وجه الله وحده (^١). وفي الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (^٢). فمدار صحة الأعمال أو فسادها النية.
والقائم بالدفاع عن الحق، والدعوة إليه، والمجادلة من أجله أشد حاجة إلى الإخلاص من غيره. لذا فإن توفر سلامة النية، والقصد شرط أساسي لمن يشتغل بدراسة الأديان، فلا بد أن يكون قصده في هذا حراسة الدين، والذب عنه، ودلالة الناس على الهدى، وتثبيتهم عليه (^٣)، وألا يكون له أي غرض آخر.
قال إمام الحرمين الجويني موضحًا آداب الجدل: "فأول شيء فيه مما على الناظر أن يقصد التقرب إلى الله -سبحانه- وطلب مرضاته في امتثال أمره سبحانه فيما أمر به ويبالغ قدر طاقته في البيان والكشف، عن تحقيق الحق وتمحيق الباطل، ويتقي الله أن يقصد بنظره المباهاة وطلب الجاه والتكسب والممارة، والمحك، والرياء، ويحذر أليم عقاب الله -سبحانه- ولا يكن قصده الظفر بالخصم، والسرور بالغلبة، والقهر، فإنه من دأب الأنعام الفحولة، كالكباش، والديكة" (^٤).
_________
(^١) انظر: تفسير ابن كثير ٣/ ١٠٣.
(^٢) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ ص ٢١، رقم الحديث ١.
(^٣) الرد على المخالف من أصول الإسلام بكر أبو زيد ص ٥٤.
(^٤) الكافية في الجدل، لإمام الحرمين الجويني، تحقيق د. فوقية حسين محمود ص ٥٢٩، طبع بمطبعة عيسى البابي، القاهرة ١٣٩٩ هـ/ ١٩٧٩ م. انظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ٢٣٧ - ٢٣٩.
1 / 12
الضابط الثاني: العلم:
العلم من الأمور الضرورية والضوابط المهمة لمن يشتغل بعلم الأديان، وذلك أن المشتغل بدراسة الأديان إذا لم يكن مؤهلًا لها كان ضرره أكثر من نفعه.
فالعلم من أهم الشروط التي يجب توفرها على من يقوم بوظيفة الدفاع عن الدين، وذلك أن العلم قبل العمل، قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩)﴾ [محمد: ١٩] (^١)، وقد تنبه الإمام البخاري ﵀ لهذا، فبوب لهذه الآية بقوله: باب العلم قبل القول والعمل (^٢).
فالعلم مقدم على القول والعمل، لأنه شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به (^٣).
ومن الأدلة الدالة على ذم القول قبل العلم قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٨)﴾ [الحج: ٨] (^٤)، فالآية دلت على ذم المجادل بغير علم، وقال تعالى في ذم أهل الكتاب الذين جادلوا بغير علم: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٦٦)﴾ [آل عمران: ٦٥ - ٦٦] (^٥).
بل نجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن من يحكم في الملل، والأديان بغير علم، ولا عدل، أولى بالنار، ممن يقضي بين الناس، في الأموال والدماء والأعراض، بغير علم ولا عدل، فيقول: "ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفر وأهل البدع بالعلم والعدل، لا بالظن وما تهوى الأنفس، ولهذا قال النبي ﷺ: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل علم الحق وقضى خلافه فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار) (^٦).
_________
(^١) سورة محمد الآية: ١٩.
(^٢) صحيح البخاري كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل ص ٣٩.
(^٣) انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، ص ٢/ ١٩٣، دار الريان للتراث، الطبعة الثانية.
(^٤) سورة الحج الآية: ٨.
(^٥) سورة آل عمران الآية: ٦٥ - ٦٦.
(^٦) أخرجه أبو داود الحديث رقم ٣٥٧٣، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، دار الأفكار، طبعة عام ١٤١٩.
1 / 13
فإذا كان من يقضي بين الناس في الأموال، والدماء، والأعراض -إذا لم يكن عالمًا عادلًا - كان في النار، فكيف بمن يحكم في الملل، والأديان، وأصول الإيمان، والمعارف الإلهية، والمعالم الكلية، بلا علم ولا عدل" (^١).
والعلم يشمل في مجال دراسة الأديان العلم بالإسلام من مصادره الأساسية من الكتاب والسنة، وما يفسرهما من أقوال السلف، أو يساعد على فهمهما من علوم الآلة كاللغة العربية، كما يشمل العلم بشبهات أهل الأديان والملل، وطرق الرد عليها (^٢).
الضابط الثالث: تقدير المصلحة والمفسدة في دراسة الأديان:
فدراسة الأديان، والملل الكفرية، والاشتغال بها لا تخلو من مخاطر ومزالق قد تضر المشتغل بها، كأن تترك شبهات أهل تلك الأديان في قلبه شيئًا، وقد يلحق ضررًا منها بالحق الذي معه، وذلك فيما إذا ضعف عن رد شبهات الخصوم، كما يمكن أن تؤدي دراستها إلى نشرها، وترويج مبادئها، لاسيما إذا لم يحكم الرد عليها.
لهذا ينبغي قبل التعرض إلى دراسة أي دين أو ملة أن يقدر في هذه الدراسة المصلحة والمفسدة، والقول المعتمد في تقدير المصلحة والمفسدة: قول العلماء المؤتمنين على دينهم (^٣).
الضابط الرابع: الرجوع إلى المصادر:
الرجوع إلى مصادر العقائد المبحوثة، ونقل النصوص منها بألفاظها، والدقة في نسبة الآراء إلى أهلها.
أما نسبة الأقوال إلى الناس من غير طريق صحيحة، أو من طريق مشكوك في صحتها، أو من طريق لا يعرف مدى التزامها بالصدق والعدل، فإن هذا من باب الظن الذي نهينا عن إتباعه، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: ١٢] (^٤) وذم الله -تعالى- متبعي الظن والهوى فقال: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ [النجم: ٢٣] (^٥).
وقد التزم هذا علماء السلف، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله تعالى- يقول في رده على النصارى: "وأنا أذكر ما ذكروه بألفاظهم بأعيانها فصلًا فصلًا، واتبع كل فصل مما يناسبه من الجواب فرعًا وأصلًا، وعقدًا وحلًا" (^٦).
_________
(^١) الجواب الصحيح ١/ ١٠٧ - ١٠٨.
(^٢) انظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ٢٤٠ - ٢٤٢.
(^٣) انظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ٢٣٦.
(^٤) سورة الحجرات: الآية ١٢.
(^٥) سورة النجم: الآية ٢٣.
(^٦) الجواب الصحيح ص ١/ ٦٤.
1 / 14
الضابط الخامس: التجرد من الهوى:
فإن الهوى يحمل على الاختلاف وقول الإفك، وقد قال الله ﵎: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ [النجم: ٢٣] (^١). وقال تعالى: ﴿الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ﴾ [ص: ٢٦] (^٢).
الضابط السادس: العدل والإنصاف:
العدل والإنصاف، والأمانة العلمية من أهم الخصال التي ينبغي أن يتحلى بها المختلفون والمختصمون، لئلا يقع ظلم على أي طرف منهما، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ [النساء: ١٣٥] (^٣) وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام: ١٥٢] (^٤).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ مبينًا وجوب العدل في كل حال، وتحريم الظلم مطلقًا: "ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة، مثل الملوك المختلفين على الملك، والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل، لا بجهل وظلم، فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقًا، لا يباح قط بحال، قال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨] (^٥)، وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه فكيف في بغض مسلم" (^٦).
_________
(^١) سورة النجم: الآية ٢٣.
(^٢) مجلة الدراسات العربية، مناهج البحث في العقيدة، للشيخ يوسف السعيد، العدد السابع يناير ٢٠٠٢.
(^٣) سورة النساء الآية: ١٣٥.
(^٤) سورة الأنعام: آية ١٥٢.
(^٥) سورة المائدة الآية: ٨.
(^٦) انظر: تفسير ابن كثير: ٢/ ١٢، وعلم الملل ومناهج العلماء فيه ص ٢٤٤ - ٢٤٦.
1 / 15
الضابط السابع: الالتزام بالمصطلحات الشرعية:
قضية ضبط المصطلحات أمر نبه القرآن الكريم عليه المؤمنين في عهد نزول الوحي، فقد نهى الله المؤمنين أن يقولوا ﴿رَاعِنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] وأمرهم أن يقولوا ﴿انْظُرْنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] (^١)، وذلك أن اليهود كانت تستخدم كلمة ﴿رَاعِنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] لمعنى فاسد يحمل مسبة للنبي ﷺ (^٢).
وأخبر النبي ﷺ عن أناس يأتون في أخر الزمان يسمون الخمر بغير اسمها (^٣).
ويتلخص موقف أهل السنة من أمر المصطلحات التي تنسب إلى الأنبياء أو السلف أو إلى الخصوم بما يلي:
١ - التأكد من صحة نسبة المصطلح ومعناه:
قال شيخ الإسلام: " المنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه، ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله" (^٤) والأمر في هذا أن العلم يحتاج إلى نقل مصدق، ونظر محقق (^٥).
٢ - اتباع المنقول من المصطلحات من الكتاب والسنة:
وذلك أن اتباع ألفاظ الكتاب والسنة أولى من أي ألفاظ أخرى في تقرير أمور الدين لأن ذلك يؤدي إلى موافقة النصوص لفظًا ومعنًا.
٣ - فهم المصطلحات:
وذلك بمعرفة دلالة المصطلح ومعرفة مراد المتكلم به، "وذلك أن دلالة الخطاب إنما تكون بلغة المتكلم وعادته المعروفة في خطابه، لا بلغة وعادة واصطلاح أحدثه قوم آخرون بعد انقراض عصر الذين خاطبهم بلغته وعادته (^٦) كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤] (^٧).
_________
(^١) سورة البقرة: الآية ١٠٤.
(^٢) انظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٣٧٤.
(^٣) سنن أبي داود: كتاب الأشربة، باب في الداذي - شراب الفاسقين- رقم ٣٦٨٨.
(^٤) مجموع الفتاوى: ص ١/ ٢٤٦.
(^٥) المرجع السابق: ص ١/ ٢٤٦.
(^٦) درء تعارض العقل والنقل: ص ٧/ ١٢٣، منهج ابن تيمية في الدعوة د. عبد الله بن رشيد الحوشاني، ص ١/ ٨٧ - ٨٩، دار أشبيليا، الطبعة الأولى.
(^٧) سورة إبراهيم: الآية ٤.
1 / 16
الفصل الرابع: مناهج الباحثين في دراسة علم الأديان بصفة عامة
المبحث الأول: التعريف بهذا العلم:
المنهج لغة:
مفعل من مادة نهج ينهج نهجًا، وهو الطريق المستقيم البين. قال الجوهري: "نهج الطريق: أبانه، وأوضحه، ونهجه: سلكه، والمنهاج: الطريق الواضح" (^١).
وقال الفيروز آبادي: "استنهج الطريق: صار نهجا، وفلان نهج سبيل فلان، أي: سلك مسلكه" (^٢).
أما تعريفه الاصطلاحي: فقد عرف بتعريفات كثيرة منها:
١ - هو الطريق المؤدي إلى التعرف على الحقيقة في العلوم، بواسطة طائفة من القواعد العامة، والتي تهيمن على سير العقل، وتحدد عملياته، حتى يصل إلى نتيجة معلومة.
٢ - هو القانون أو القاعدة التي تحكم أي محاولة للدراسة العلمية وفي أي مجال.
٣ - القواعد العلمية التي يسلكها العقل في حركته للبحث عن الحقيقة في أي مجال من مجالات المعرفة.
وهذه التعريفات واحدة في المعنى وإن اختلف التعبير عنها باللفظ، لأن مدارها على القواعد التي يسير عليها الباحث أو تسير الباحث عند إرادته بحث أي مسألة علمية.
"وكان العلماء المسلمون يعبرون عن المنهج بالأصول والقواعد". (^٣)
تعريف علم مناهج البحث في العقيدة:
هو علم يعني بدراسة دلائل المسائل التي تذهب إليه كل فرقة من الفرق من حيث مصادرها، وطريقة الاستدلال بها، وموقفها من مصادر غيرها، وطريقتها في دراسة العقيدة (^٤).
ويقال عن تعريف دراسة علم الأديان ما قيل في تعريف علم مناهج البحث في العقيدة؛ لكن يختص بالأديان: هو علم يعني بدراسة دلائل المسائل التي يذهب إليها كل دين من الأديان من حيث مصادرها، وطريقة الاستدلال بها، وموقفها من مصادر غيرها، وطريقتها في دراسة الأديان.
_________
(^١) الصحاح في اللغة والعلوم للجوهري، تحقيق نديم مرعشلي، وأسامه مرعشلي، ص ١/ ٣٤٦، دار الحضارة العربية، بيروت.
(^٢) القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، ص ٢٦٦، مؤسسة الرسالة، دار الريان للتراث، الطبعة الثانية.
(^٣) منهج كتابة التاريخ الإسلامي د. محمد بن صامل السلمي، ص ٨٩، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى.
(^٤) مناهج البحث في العقيدة للسعيد ص ٢٦٣.
1 / 17
المبحث الثاني: أهمية مناهج البحث:
إن لمناهج البحث في العلوم أهمية كبرى، إذ هي الطريق الموصل إلى أي علم، فالعلوم متعددة في موضوعاتها، وفي أهدافها وعناصرها، وفي مصادرها، وفي مناهج بحثها، والعلوم لا تعرف بموضوعاتها؛ لأن الموضوعات تساعد على البحث في هذا العلم، أو ذاك، ومثلها الأهداف، وإنما الذي يعين على ذلك هو المنهج الصحيح للبحث.
فبقدر ما يكون منهج البحث قويًا قويمًا قائمًا على أساسا منهج سليم، ومناسب للموضوع الذي يبحث فيه، بقدر ما تكون النتائج المتوصل إليها معتبرة من الناحية العلمية (^١).
فللمنهج أثره ودوره الكبير في أصالة الفكر وسلامة الأفكار والمعلومات والنظريات والمفاهيم المستنتجة، فما لم يكن منهج البحث والتفكير سليمًا أو موافقًا لاتجاهه، فإن النتائج لن تكون صحيحة ومنسجمة.
والباحث بدون منهج يقع في متاهات الفوضى، والاضطراب، والتناقض، وارتباك الآراء والنتائج، ويظل البحث مشوشا، وعقيما، وتكون حصيلته الاستنتاجية متناقضة، بلا وحدة في الاتجاه والنتيجة، فيخسر بذلك كثيرًا من النتائج التي كان بإمكان البحث أن يعطيها لو أنه سار على أصول وأسس منهجية بحثية سليمة، واضحة الأهداف والمعالم، سليمة الرؤى (^٢).
ولذا أيضًا كان من الضروري أن يحدد لكل موضوع من موضوعات العلم والمعرفة البشرية منهجه المناسب له، وطريقته الخاصة، فيكون للعلوم الطبيعة منهج معين، وللتاريخ منهج معين ولكل من الفقه والعقائد والرياضيات والفلسفة .. إلخ منهجه الخاص به ضمن إطار منطقي علمي موحد.
وذلك أن المنهج يحفظ للعلم نظامه واتساقه (^٣)، فتقدم العلم وتأخره مرتهن بمسألة المنهج، يدور معها وجودًا وعدمًا (^٤).
وإذا كان الأمر كذلك، فإنه - أيضًا- من الخطورة بمكان اتخاذ مناهج غير صحيحة، فاتخاذ هذه المناهج كغياب المنهج الصحيح، بل هو أشد خطرًا، فإنه إذا اتخذت أمة من الأمم منهجًا، واعتقدته صحيحًا، والتزمت به، وكان هذا المنهج مضللا ولا يوصل إلى الحقيقة المنشودة والعلم المطلوب، فإن هذه الأمة تكون قد أوقعت نفسها في متاهات وأوهام كبيرة تنحرف بها عن المسار المنشود والغاية المطلوبة (^٥).
وأما أهميته في علم العقيدة والأديان على وجه الخصوص، فإنه ينبغي أن يعلم أن مسألة اختيار المنهج، وطريقة الفهم والتفسير العقائدي، ليست قضية ذاتية ترتبط بالميول الشخصية، أو بالتصورات والأهواء الذاتية، بل أن المنهج العقائدي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأصول الشرعية، وبمفاهيم العقل الإيمانية التي تدور حول مركز الانطلاق، وقاعدة الفهم والتفكير (عقيدة التوحيد)، كما يرتبط بموضوع البحث وطبيعته.
_________
(^١) انظر: نظرة عامة في بعض مناهج البحث الإسلامية د/ طه العلواني بحث منشور في مجلة أضواء الشريعة عدد (٨) جمادي الآخرة عام ١٣٩٧ ص ٤٠٠.
(^٢) انظر: مناهج البحث في العقيدة الاسلامية في العصر الحاضر: دراسة لمناهج الفكر الاسلامي المعاصر والعناصر المنهجية في دراسة أصول الدين، تأليف عبدالرحمن بن زيد الزنيدي، ص ١٨، دار أشبيليا، ١٤١٦.
(^٣) انظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان بن على حسن، ص ١/ ٢١، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثالثة.
(^٤) انظر: منهج البحث العلمي عند العرب د/ جلال موسى ص ٢٧١، منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد ١/ ٢١.
(^٥) مناهج البحث في العقيدة للسعيد ص ٢٦٤ - ٢٦٥.
1 / 18
والباحث في علم العقائد والديانات والملل والنحل والمذاهب يجد نفسه أمام زخم كثير من الآراء المتناقضة، التي سببها التنكب عن الطريق السوي والمنهج المستقيم، وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)﴾ [النساء: ٨٢] (^١) وقوله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)﴾ [ق: ٥] (^٢).
ولما كان الأمر كذلك، فإنه لا يجمل بالباحث الطالب للحق أن يبحث عن المسائل، ثم يحكم على أصحابها، دون أن يبحث في الدلائل التي نتجت عنها تلك المسائل، إذ لا يمكن معالجة الأخطاء في المسائل دون النظر في الأصول التي بنيت عليها، فالبحث فيها يبقى عقيمًا عديم الجدوى.
وبمنهج البحث العلمي في العقيدة يستطيع الباحث المسلم إزالة كثير من الإشكالات التي تواجهه اليوم، فإن كثيرًا من العلوم والنظريات التي أطلق عليها اسم العلم، قد بحثت وفق مناهج بحث خاصة وصفت بالمنهجية أو الموضوعية والعلمية، واكتسبت ثقة جميع الباحثين في هذه المجالات، بل حازت إيمانهم، والنتائج التي توصل إليها، هي نتائج تصطدم -في أحيان كثيرة- بعقيدة المسلم، ولا تنسجم إلا نادرًا مع فكرة المسلم الكلية عن الكون والإنسان والحياة، والاعتراض على ذلك يكاد يكون اعتراضًا على قضايا علمية مسلمة، لأنها بحثت وفق منهج بحث علمي، ومنهج البحث نفسه وراءه فلسفة قوم آخرين لا يستطيع المسلم قبولها كما هي، ولذلك كان لا بد من العمل على تلمس منهج للبحث في هذه العلوم يكون قانونًا يعصم الباحث المسلم فيها من الوقوع فيما يقع فيه غيره من أخطاء، ويساعده على الوصول إلى نتائج تنسجم وعقيدة المسلم ونظرته إلى الكون والإنسان والحياة (^٣).
_________
(^١) سورة النساء: الآية ٨٢.
(^٢) سورة ق: الآية ٥.
(^٣) نظرة عامة في بعض مناهج البحث الإسلامية د/ طه جابر العلواني، بحث منشور في مجلة: أضواء الشريعة، العدد ٨ عام ١٣٩٨ (٤٠١). وانظر: مناهج البحث في العقيدة ص ٢٦٦ - ٢٦٩.
1 / 19
المبحث الثالث: علاقة هذا العلم بعلم الأديان:
إن لعلم مناهج البحث في العقيدة ارتباطًا وثيقًا بالعلوم المتعلقة بالاعتقاد، ومن هذه العلوم علم الموازنة بين الأديان، أو المعروف بعلم مقارنة الأديان أو علم الأديان أو الملل والنحل أو علم المقالات إلى غير ذلك.
فعلم مناهج البحث في العقيدة يبحث في الأصول التي استقى منها أهل كل دين دينهم وأقوالهم، هل الأصل: الوحي، أو غيره؟ هل هذا الوحي محرف، أو أنه محفوظ من التحريف؟ .. الخ
فهذا العلم، أعنى علم المناهج أصل لمعرفة علم الأديان، فلا غني للباحث في هذا العلم عن النظر فيه (^١).
المبحث الرابع: مناهج البحث:
للدارسين لعلم العقيدة والأديان مناهج متعددة في دراستها، وذلك تبعًا للغرض من دراستها، وسأذكر هنا أبرز هذه المناهج:
المطلب الأول: المنهج التاريخي الوصفي:
هذا المنهج يسلك فيه المؤلفون جانب العرض التاريخي الوصفي السردي، دون حكم على المقولات، أو نقد لها.
وهذا النوع سلكه علماء متقدمون، كأبي الحسن الأشعري والشهرستاني.
كما أن هناك من غير المسلمين من سلكه، وهو ابن كمونة اليهودي، في كتابه: "تنقيح الأبحاث للملل الثلاث".
والحقيقة أن هذا المنهج لا يؤدي الدور المطلوب من العالم، بل إن مثل هذا المنهج قد يؤدي إلى ما يسمى بتقارب الأديان، لذا كان هذا المنهج " أوفر مناهج المسلمين حظًا وإشادة عند علماء الغرب، وبه يرتضون أن يتناول علماء الإسلام الأديان" (^٢).
وهذا أمر لا يفرح به، لهذا لم نجد مثل هذا المنهج عند علماء أهل السنة والجماعة، وإنما وجد عند غيرهم.
_________
(^١) مناهج البحث في العقيدة للسعيد ص ٢٧٠ - ٢٧٢.
(^٢) علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ١٨٨.
1 / 20