147

Studies in Sufism

دراسات في التصوف

Publisher

دار الإمام المجدد للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م

Genres

وجل مجده، - بل إنها خبالات نفسانية أو بخارات صعدت إلى مفكراتهم وأذهانهم من سوء الهضم، والتجوع، والسهر، أو تخيلات المهووسين والمجانين أو إلقاءات وإيحاءات شيطانية، لاختلافها وتناقضها وتعارضها وتبيانها باختلاف الأشخاص والبيئات. فوجود الاختلاف دليل على أن مصدرها ومنبعها ليس بواحد، وهذا واضح وجلي لمن عرف مكاشفات القوم، واطلع على إلهاماتهم، وقرأ في كتبهم، فمكاشفات ابن عربي تختلف عن مكاشفات ابن سبعين، وإلهامات أبي البسطامي عن با يزيد الأنصاري وذي النون المصري، والرفاعي عن الشاذلي والنقشبندي عن السهروردي، والجشتي عن القادري، والبكتاشي عن النوربشتي، والتيجاني عن العروسي ... ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ (١). وعلى ذلك انتبه لهم علماء الإسلام وفقهاء الأمة، وتصدوا لهم بالرد على أفكارهم وخيالاتهم، ففسّقوا البعض وكفّروا الآخرين، وافتوا بالزندقة على قسم منهم، ولم يكن ردهم عليهم إلا أن قالوا كما نطق به شيخهم الأكبر: " ويزيل رجل الطريق التفكر عن نفسه جملة واحدة، فإنه مفرّق لهمّه، ويعتكف على مراقبة قلبه عند ربه، عسى الله أن يفتح له الباب إليه، ويعلم ما لم يكن يعلم، مما علمته الرسل وأهل الله، مما لم تستقل العقول بإدراكه، وإحالته. فإذا فتح الله لصاحب هذا القلب هذا " الباب " حصل له تجلِّ إلهي، أعطاه ذلك التجلي بحسب ما يكون حكمه، فينسب إلى الله منه أمرًا لم يكن قبل ذلك يجرأ على نسبته إلى الله - سبحانه - ... غير أن أصحابنا اليوم يجدون غاية الألم، حيث لا يقدرون يرسلون ما ينبغي أن يرسل عليه سبحانه كما أرسلت الأنبياء ﵈ فما أعظم تلك التجليات! وإنما منعهم أن يطلقوا عليه ما أطلقت الكتب المنزلة والرسل ﵈ عدم إنصاف السامعين من الفقهاء وأولي الأمر، لما يسارعون إليه في تفكير من يأتي بمثل ما جاءت به الأنبياء ﵈ في جنب الله، وتركوا - أعني

(١) سورة النساء الآية ٨٢.

1 / 154