معتبر، فالأصل أنّ دم الآدميّ معصوم لا يُقْتل إلاّ بالحقّ، وليس القتلُ للكفر من الأمور الّتي اتَّفقت عليها الشّرائع.
ونحن إذ نقول هذا الكلام لا نقوله لنسخ الجهاد، فنحن ندين بأن الجهاد فريضة، وأوجبه الله بقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)﴾ [البقرة] وآية القتال محكمة لا نسخ فيها، قال تعالى فيمن سقمت سريرتهم: ﴿فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ... (٢٠)﴾ [محمّد] ولكن الجهاد له أحكامه، وأغراضه، وضوابطه، وأصوله المبيّنة في الشَّرع.
أمّا قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)﴾ [التوبة] فإنّ الآية الكريمة تتحدَّثُ عن الجزية (^١) الّتي فرضها الله تعالى على الذّميين وهي تقابل فرض الزّكاة على المسلمين، وعلى ذلك فالآية أصْلٌ في مشروعيّة الجزية، وتأمر المسلمين بمقاتلة مَنْ ينقضُ عهد الذّمة بالامتناع عن الجزيّة، لا بمقاتلة النّاس لإكراههم على الدّخول في دين الله.
وقد يعترض علينا معترض فيقول: ولكنَّ النَّبيَّ ﷺ قاتل الرُّوم في مؤتة؟! فعلى أيّ شيء قاتلهم؟
والجواب أنّ النَّبيَّ ﷺ لم يقاتلهم ليحملهم على الدُّخول في الإسلام، وإنَّما قاتلهم لأنّهم قَتَلوا رسوله، فقد كان ﷺ قد بعث الصَّحابيّ الجليل الحارث بن عمير الأزدي اللهبي بكتابه