226

Waʾd al-fitna: dirāsa naqdiyya li-shubahāt al-marjifīn wa-fitnat al-Jamal wa-Ṣiffīn ʿalā manhaj al-muḥaddithīn

وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

Publisher

دار عمار للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م

Publisher Location

عمان - المملكة الأردنية الهاشمية

Genres

أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (٣٥)﴾ [النساء] فكان جوابه مُسكتًا.
هذا ولا يخفى أنّ عليًّا ﵁ ما حكّم الرّجال في دين الله تعالى، وإنما حكّم كلام الله، قال عليّ ﵁: " والله ما حكّمت مخلوقًا، إنّما حكّمتُ القرآن " (^١).
نعم، حكّم كتاب الله لأنّ الله يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ... (٥٩)﴾ [النّساء] فكيف يردُّ عليّ ﵁ هذا النِّزاع بين الطائفتين المؤمنتين إلى الله والرّسول؟ هل يترك الجميع يتكلّم بحجَّته فيكثر اللغط، ويضيع الحقّ؟! أم ينتدبُ رجلين عَدْلين مَرْضِيين من كلا الطائفتين من أهل الرأي والحِجا يحكمان لمن أوجب الله في كتابه الحكم له؟ هذا ما فعله ﵁ لا سيّما وأنّه واثق بأن الحقّ معه!
وكيف يمتنع التحكيم، وهو عمل بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... (٩)﴾ [الحجرات] وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ... (١٠)﴾ [الحجرات] بل اللجوء إلى التّحكيم وقبوله من حسنات علي ومعاوية ﵄. وهو مِصْداق لقوله تعالى في وَصْفِ أصحاب النَّبيِّ ﷺ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... (٢٩)﴾ [الفتح]، وقوله تعالى: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ... (٥٤)﴾ [المائدة].
أمّا الأمر الثّاني الّذي احتجّوا به، وهو أنّه قاتل في الجمل وصفّين ولم يسب ولم يغنم، فبيّن لهم أنّ ذلك لا يحلّ شرعًا؛ فكيف يَسْبُون أمَّهم عائشة ويستحلّون منها ما يستحلّون من غيرها، إذ السّبايا يجوز الزّواج بهنّ، وعائشة أمّهم، والله تعالى يقول: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا

(^١) ابن الجوزي " فنون الأفنان " (ص ٥٥) وانظر " مجموع فتاوى ابن تيمية " ... (ج ١٢/ص ٤١٨) كذلك (ص ٥٠٥).

1 / 227