أمّا مَنْ يردُّ هذا الكلام بما أخرجه الشّيخان عن الأحنف بن قيس، قال: " ذهبْتُ لأنصُرَ هذا الرّجل (يعني عليًّا)، فلقيني أبو بَكْرة، فقال: أينَ تُريدُ؟ قلتُ: أنْصُرُ هذا الرّجلَ، قال: ارجعْ فإنّي سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتلُ والمَقْتُولُ في النّار، قُلْتُ: يا رسولَ الله، هذا القاتلُ فما بالُ المقتولِ؟ قال: إنّه كان حريصًا على قَتْلِ صاحبه " (^١).
فإنّ الردّ على هذا الّذي أخلد إلى الأرض أنّ هذا الحديث الشّريف الّذي فيه أنّ القاتل والمقتول في النّار محمول على من قاتل بغير تأويل سائغ، ويكون قتالهما عن جهل، أو هوى، أو على دنيا، أو مُلْكٍ، أو نحو ذلك.
ولعلّ ما يؤيّد ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " والّذي نفسي بيده، لا تذهَبُ الدّنيا حتّى يأتي على النّاس يومٌ لا يدري القاتلُ ولا المقتول فيمَ قُتِلَ! فقيل: كيف يكون ذلك؟! قال: الهَرْجُ، القاتلُ والمقتولُ في النّار " (^٢) فبيّن هذا الحديث علّة ذلك الحديث، وهو إذا كان القتال عن جهل وعصبيّة فهو المراد بقوله: "فالقاتلُ والمَقْتُولُ في النّار ".
فإن احتجّوا عليهم لما جرى بينهم بقول النَّبيِّ ﷺ: " لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يضربُ بعضُكُم رقاب بعض " (^٣).
فإنّنا نقول لهم: هل وصلكم هذا الحديث الشّريف، ولم يصل إليهم؟! أم أنتم أعلم بالحديث الشّريف من عائشة وعلي ومعاوية وسائر الصّحابة ﵃ الّذين رووا الحديث عن رسول الله ﷺ ونقلوه إلينا؟! ثمّ كيف تحتجّون عليهم بأحاديث بلغتهم قبل أن
(^١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ٣٧) كتاب الدّيات، وأخرجه في (كتاب الإيمان)، كذلك أخرج نحوه مسلم في كتاب الفتن وأشراط السّاعة " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٩/ج ١٨/ص ١٠).
(^٢) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٩/ج ١٨/ص ٣٥) كتاب الفتن.
(^٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ٣/ج ٥/ص ١٢٦) كتاب المغازي.