214

Waʾd al-fitna: dirāsa naqdiyya li-shubahāt al-marjifīn wa-fitnat al-Jamal wa-Ṣiffīn ʿalā manhaj al-muḥaddithīn

وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

Publisher

دار عمار للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م

Publisher Location

عمان - المملكة الأردنية الهاشمية

Genres

وانظر كيف جعل كلّ منهما الإبطاء والإسراع عيبًا لما يعتقد من أنّ الحقّ معه، فأبو موسى الأشعري، وأبو مسعود الأنصاريّ ﵄ اعتزلا تمسكًا بالأحاديث الواردة في القعود في الفتن، وما فيها من وعيد لمن حمل السّلاح على المسلم، أمّا عمّار ﵁ فكان يرى في الإبطاء مخالفة للخليفة عليّ ﵁ في قتال النّاكثين والباغين على عثمان ﵁ وترك امتثال قول الله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ... (٩)﴾ [الحجرات] فكلا الفريقين مُتأوِّلٌ مجتهد مأجور، ولم يخرجهم ذلك عن العدالة.
فالانتباهَ الانتباهَ من الوقوع في الفتن وملابستها، واللهَ اللهَ في الدّماء؛ فما أعظم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله!
سبب ملابسة الفتنة واعتزالها
وقد يقول قائل: ألا يترتّب على اعتزال الصّحابة للفتنة خذلان أهل الحقّ؟!
والجواب أنّ الصّحابة ﵃ تنازعوا هذه المسألة، فقد كانت الأمور مشتبهة اشتباهًا شديدًا، فاختلف اجتهادهم، ولم تختلف قلوبهم ولم تتباغض، فمن تبيّن له الحقّ باجتهاده مع طائفة كان معها ينصرها، لثبوت أمر الله تعالى بقتال الطّائفة الباغية، فالله تعالى يقول: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ... (٩)﴾ [الحجرات] ومَنْ لم يتبيّن له الحقّ وغُمَّ عليه وتحيّر ولم يظهر له ترجيح إحدى الطّائفتين اعتزلهما، عملًا بالآيات والأحاديث الّتي تنهى عن الوقوع في الفتن وتحذّر منها، وكلّ واحد يعتقد أنّه المحقّ. والحقّ الصِرفُ حَمْلُ اجتهاد كلّ واحد من الصّحابة على الصَّواب، سواء من لابس الفتن أو اعتزل؛ لأنّهم مجتهدون متأوّلون.
ومن الأحاديث الّتي كانت سببًا في اعتزال غير صحابيّ ما أخرجه البخاريّ عن أبي هريرة ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: " ستكون فتنٌ القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من السّاعي، منْ تَشَرَّف لها تسْتَشْرِفْهُ

1 / 215