175

Waʾd al-fitna: dirāsa naqdiyya li-shubahāt al-marjifīn wa-fitnat al-Jamal wa-Ṣiffīn ʿalā manhaj al-muḥaddithīn

وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

Publisher

دار عمار للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م

Publisher Location

عمان - المملكة الأردنية الهاشمية

Genres

من عهد أبي بكر وعثمان، أفلا يكون له من الطّاعة ما كان للخلفاء من قبله!
ولذلك كان عليّ يرى أنّ على معاوية وأولياء دم عثمان ﵁ أن يتحاكموا إليه بعد أن يتوطّد الأمر له، فإذا ثبت على أحد بعينه أنّه ممّن قتل الخليفة عثمان ﵁ أو مَالأَ على دمه، أو أعان عليه اقتصَّ منه.
وعُذْرُ عليّ ﵁ في تأخيره لإقامة الحدود على هؤلاء البغاة مَردُّه إلى أمرين:
الأوّل: أنّه لم يكن يومها من السّهل عليه أن يتبيّن هؤلاء البُغَاة، بعد أن تفرّقوا في الأمْصَار. فالّذين شغبوا على عثمان ﵁ من المنافقين والغوغَاء والعامّة والموتورين وأتباع ابن سبأ، جاؤوا من أمصار مختلفة، وكانوا كثرة كاثرة، ولهم قبائل وطوائف تتعصّب لهم وتنتصر لهم، وإقامة الحدود عليهم لا تكون خَبْط عَشْواء، فهناك من يُتّهم بقتل الخليفة، وهناك من أعان على دمه، وهناك من ضَلّ وغوى، وهناك جاهل مغرّر به لا هو في العير ولا في النّفير، وهذا يحتاج إلى تحقيق وتدقيق وتروٍّ.
الثّاني: أنّ البلاد انتقضت وانتفضت بعد مقتل عثمان ﵁ فالأمر لم يكن قد توطّد له بعد، فهو يحتاج إلى قُوَّة تعينه على أمره، ولو كان له قوّة ما تأخّر في إخضاع البلاد ومحاسبة البغاة على عثمان ﵁. ولا يخفى أنّ للخليفة أن يُؤَخِّر الأحكام إذا كانت المصلحة في ذلك، هذا عذره ﵁.
ولربّ قائل يقول: ألم يكن لعثمان من هو أولى بالطّلب بدمه من معاوية؟!
والجواب: بلى، كان هناك ولده أبان بن عثمان، ولكن لم تكن له شُوكَةٌ كما كانت لمعاوية ﵁ ولذلك أقام معاوية نفسه مقام وليّ الدّم، وهو ابن عمّه، وقُتل ظلمًا وعدوانًا، وعثمان يومها مقدّم في الفضل على سائر الصّحابة، فكيف يقعد معاوية عن نصرته وله قوَّةٌ على ذلك، والله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ... (٣٣)﴾ [الإسراء] هذا عذره ﵁.

1 / 176