ظاهره ولكنّه في الحقيقة لا يقصد به الدّعاء، وإنّما هو من الكلام الجاري على أَلْسُنِ العرب يقولونه، وهم لا يريدون الدّعاء على المخاطب، ونظير ذلك، قولهم: قاتلك الله! وويلك! وويحك! ولا أب لك! وثكلتك أمّك! ولا أمّ لك! وتربت يداك! ونحو ذلك من الألفاظ الّتي ظاهرها الذّم والدّعاء، وباطنها المدح والثّناء.
فخاف ﷺ أن يصادف الدّعاء إجابة؛ فسأل الله أن يجعل دعاءه رحمةً وقربةً وطهورًا وأجرًا. واستدلّوا على ذلك بدعاء النَّبيِّ ﷺ على يتيمة أمّ سُلَيْم وهي أمّ أنس فقد رآها ﷺ فقال: " آنتِ هِيَهْ (^١)؟ لقَدْ كبِرْتِ، لا كَبِرَ سنُّك " (^٢).
ثمّ أعقب مسلم هذا الحديث بحديث فيه دعاء على معاوية ﵁، وهو قوله ﷺ: " لا أَشْبَعَ الله بطنه " (^٣) وقد خَتَمَ به الباب دلالة على أنّهما بمعنى واحد، فكما أنّ الدّعاء على اليتيمة لها زكاة وقربى، فكذلك معاوية ﵁ إذ ليس المقصود الدّعاء عليه، وإنّما الدّعاء له. قال النّوويّ: " وقد فَهِمَ مسلم ﵀ من هذا الحديث أنّ معاوية لم يكن مستحقّا للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من مناقب معاوية، لأنّه في الحقيقة يصير دعاء له " (^٤).
ويعضِّده قوله ﷺ لأمّ المؤمنين صفيّة ﵂: " عَقْرَى حَلْقَى " (^٥) والمعنى الظّاهر: عَقَرَ الله جسَدَها وأصابها بوجع في حلقها، والمعنى المراد الدّعاء لها لا عليها، قلت: وهو أشبه بالتّورية (^٦) من جهة إرادة المعنى الآخر.