والله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)﴾ [التّكوير].
قلنا: هذا الحديث مشكل لأنّه لم يُرْوَ بتمامه، ومن قرأه من ألفه إلى يائه يستطيع أن يوفّق بين ظاهره وحقيقته، وينقطع الإشكال عنده، فقد أخرجه أحمد بسند صحيح عن سلمة بن يزيد الجُعْفيّ، قال: " انطلقْتُ أنا وأخي إلى رسول الله ﷺ، قال: قلنا: يا رسول الله، إنّ أمَّنا مُلَيْكة كانت تصلُ الرّحمَ، وتقري الضَّيفَ، وتفعلُ وتفعلُ، هَلكتْ في الجاهلية، فهل ذلك نافعُها شيئًا؟ قال: لا. قال: قُلنا: فإنّها كانت وأدتْ أختًا لنا في الجاهليّة، فهل ذلك نافعُها شيئًا؟ قال: الوائدة والموءُودةُ في النّار إلاّ أن تُدْرِكَ الوائدةُ الإسلامَ، فيعْفُوَ اللهُ عنها " (^١).
قالوا: وكيف يصحّ حديث عن عائشة، قالت: " دخَلَ على رسول الله ﷺ رَجُلان فَكلّماه بشيء - لا أدري ما هو - فأغضباه؛ فلعنهما وسبّهما " (^٢) قالوا: فقد ثبت أنّ النَّبيَّ ﷺ قال: " إنّ اللعانين لا يكونون شُهداء ولا شفعاء يوم القيامة " (^٣)، وقال: " إنّي لم أُبْعَثْ لعّانًا وإنّما بُعثْتُ رحمة " (^٤)، وقال أنس: " لم يكنْ رسولُ الله فاحشًا ولا لعَّانًا ولا سَبَّابًا، كان يقولُ عِنْدَ المَعْتَبَة: مَالهُ تَرِبَ جَبِيْنُه " (^٥).
قلنا: ومن عرف تتمة الحديث الّذي اعترضوا به انْحَلَّ عنده هذا الإشكال، فقد رواه مسلم عن عائشة ﵂ قالت: " دخَلَ على رسول الله - ﷺ - رَجُلان فَكلّماه بشيء - لا أدري ما هو - فأغضباه؛ فلعنهما وسبّهما، فلمّا خرجا، قُلتُ: يا رسولَ الله، مَنْ أصابَ من الخير شيئًا ما أصابه هذان، قال: وما ذاك؟ قالت: قُلتُ: لعَنْتُهما وسَبَبْتُهما،