الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)﴾ [النّحل].
والحقيقة أنّه لا تعارض بين الحديث والآية لاختلاف مَحْمليّ الباءين في كلّ منهما، فالباء في قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)﴾ [النّحل] ومثلها في قوله تعالى: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)﴾ [الأعراف] تفيد السّببيّة، فإنّه يصحّ أنّ دخول الجنّة بالأعمال، أي بسببها، ولا يعدو هذا أن يكون رحمة من الله وفضلًا؛ فما وُفّق عبدٌ للعمل بأسباب النّجاة، وما هُدِي إلى العمل الصّالح الّذي جعله الله تعالى سببًا لدخول الجنّة، إلا برحمته سبحانه وتوفيقه!
أمّا الباء في الحديث الشّريف: " لن ينجو أحد منكم بعمله " فهي تفيد المقابلة، وهي الدّاخلة على الأعْوَاض، والمعنى أنّ العبد عليه ألاّ يَغْتَرَّ بعمله، وألاّ يرى أنّ عمله أوجب له الجنّة على الله، أو أنّ الجنّة وجبت له عوضًا عن عمله، أو مقابل عمله، فلو وُزِنَتْ أعمالُهُ كلُّها مقابل نعمة من نِعَمِ الله لرجحت بها، وبهذا يندفع الإشكال.
وقد ذكر ابن هشام في " مغني اللبيب " (^١) وغيره في غيره أربعة عشر معنى لحرف الجرّ الباء المفردة، فينبغي لطالب العلم أن يتعرَّفَ حروف المعاني أو أشهر معاني الحروف، وما أكثر الّذين صنّفوا في هذا الضّرب! ولكن ما أقلّ القرّاء!
وزعموا أنّ هناك اختلافًا بين الأحاديث نفسها، وساقوا على فساد دعواهم ما رواه مسلم عن عَديّ بن حاتم: " أنّ رجلًا خَطَبَ عند النَّبيِّ ﷺ، فقال: مَنْ يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله ﷺ: بئس الخطيب أنت! قُلْ: ومَنْ يعص الله ورسوله فقد غوى " (^٢).
وقالوا: أنكر على خطيب من خطباء العرب أنّه جمع لفظ الله ورسوله في الضّمير، وذلك شيء مُسْتكرهٌ، فكيف يصحّ حديث جمع فيه بينهما ﵊، وذكروا