28
ورغم وضوح أفكار اسپينوزا في هذه المشكلة إذا ما نظر إليها في ضوء العناصر العامة لفلسفته؛ فقد أسيء فهم مقصده الحقيقي في كثير من الأحيان، مثال ذلك أن ولفسون يصف رأي اسپينوزا القائل إن «الذهن فكرة الجسم» بأنه «لا يعدو أن يكون طريقة جديدة للتعبير عن تعريف أرسطو للنفس بأنها صورة الجسم.»
29
ورغم أن رأي أرسطو قد يكون أقرب الآراء التقليدية إلى ما قصده اسپينوزا، فما زال من الصحيح مع ذلك أن الصورة عنده، رغم استحالة انفصالها عن المادة، أعلى منها مرتبة بالفكر على الأقل. هذا فضلا عن إمكان وجود مادة مطلقة في أدنى درجات سلم الوجود عنده، وصورة مطلقة في أعلى هذه الدرجات. أما عند اسپينوزا، فلا يمكن أن تكون بين هذين الوجهين للحقيقة الواحدة مفاضلة؛ لأن كل شيء قابل لأن ينظر إليه من خلال أحدهما أو الآخر.
ويرى «داربون» أن اسپينوزا يقول «بالتوازي» بين الذهن والجسم، وأن هذه هي طريقته في إثبات اتحاد الذهن بالجسم،
30
وتعبير «التوازي» هذا من التعبيرات المألوفة في وصف نظرية اسپينوزا هذه، ولكنه تعبير غير دقيق؛ لأن التوازي يقوم بين شيئين مختلفين متميزين يحتل كل منهما مجاله الخاص، بينما العلاقة بين الذهن والجسم عند اسپينوزا هي، كما رأينا، علاقة وجهي حقيقة واحدة.
ولكن الخطأ الأكبر، في رأينا، هو أن تفهم فكرة اسپينوزا فهما مثاليا، فتفسر دلالتها بأنها هي صبغ ما يجري في الجسم بصبغة ذهنية أو روحية. ومثل هذا التفسير يظهر لدى «سو
Saw »، التي تفسر قول اسپينوزا إن نظام الأفكار وترابطها هو ذاته نظام الأشياء وترابطها (وهو القول الذي يعد رأيه في الجسم والذهن تطبيقا جزئيا له) بأنه يعني أن «الواقع هو الترابط المنتظم للأفكار »
31 - وهو تفسير إذا نقل إلى مجال العلاقة بين النفس والجسم لكان معناه رد ما يحدث في الجسم إلى العنصر الذهني.
Unknown page