لم يطل منه الوجه الضامر النحيل.
ولم يتردد الصوت الأليف: فيدو! تعال! أنا هنا!
ولم تفتح بابه اليدان المعروقتان كأن أصابعهما من خشب.
ذلك أن صاحبك - يا فيدو - قد ذهب. ذهب ولن يعود.
هل عرفت معنى هذا: «لن يعود».
لكنك لا تعرف. لا تعرف ولا تصدق. منذ أربعة عشر عاما وأنت لا تصدق.
في الليالي الباردة والليالي المقمرة، تنتظر ولا تيئس.
النساء في القرية الصغيرة عرفتك يا فيدو؛ الزوجات الغنيات وهن ذاهبات بعد العصر إلى المدينة الكبيرة، الفلاحات الفقيرات وهن عائدات مع أزواجهن من الحقول. الأطفال الصغار عرفوك، في كل يوم يلتفون حولك ويرقصون ويغنون: فيدو! فيدو! فيدو! كلهم رأوك على الطريق وأنت ذاهب إلى صاحبك حين كنت صغيرا تجري وتقفز كالعصفور، وحين دبت الشيخوخة إليك فصرت تجر ساقك الأمامية كأنها عمود من الفحم.
وأرملة صاحبك يا فيدو، رأت دموعك في أول الأمر فأحبتك، وكانت تسير معك إلى حيث تسير لكيلا يقول الجيران إن المرأة أقل إخلاصا من الكلب، ثم لما تعبت تركتك تسير وحدك، وحدك ولا شيء معك حتى ظلك؛ لأنها تريد أن تنسى يا فيدو؛ لأن التذكر يقتل الإنسان. وكم حسدتك بينها وبين نفسها! ثم لما رأت عنادك سخطت عليك. تمنت لو تستطيع أن تتخلص منك؛ أن تفتك بك؛ لأنها كانت صبية ما تزال، وكانت تود لو يبحث عنها رجل جديد، ولكنك يا فيدو كنت هناك. قاس كالقدر. رهيب كالحقيقة.
وبالأمس احتفلت القرية بك.
Unknown page