74

أعتقد الآن أنهما ربما كانا خصميه، أو شريكيه، قبل أن تدب بينهم خلافات، في عمله بالتهريب. كانت أمي من المعادين لشرب الخمور، وكان هذا طبيعيا في مثل حالتها، وكانت روبينا في مطبخ أمي على ما يبدو تشاركها وجهة نظرها. قالت إن عائلتها جميعها على العهد الذي أخذته عليهم جدتهم بعدم الاقتراب من الخمر. قد تكون هذه مجرد مبالغة منها. مهما كانت الحقيقة، فقد أوقع ستومب تروي كلا من جيمي ودوفال في الكثير من المتاعب، وكانت لديه الوسائل التي يستطيع بها إيقاعهما في المزيد من المتاعب، وكانا يكرهانه كثيرا. «أوه، إنهما يكرهانه جدا! إذا كانا بالخارج في ليلة مظلمة ووجدا ذاك العجوز على الطريق، فسيجعلانه يندم أشد الندم على معرفتهما في يوم من الأيام!» «وأنى له الخروج إلى الطريق؟» «من حسن حظه أنه لا يستطيع هذا.»

قالت روبينا متنهدة: «جيمي ودوفال! طيبان بالفطرة. إنهما ليسا من الشباب السيئ، ولكنهما لا يستطيعان النسيان عندما يدبر أي شخص مكائد سيئة ضدهما. وإذا أقدم أحدهم على فعلها، فلن يتهاونا معه أبدا.» •••

مختلف أنواع العقاب. تخيلت نفسي أمشي فوق عيون هاوارد تروي، وأضع المسامير فيهما، كانت المسامير أسفل نعل حذائي وأنا أمشي فوقه، وكانت هذه المسامير طويلة وحادة، وكانت مقلتا عينيه تجحظان للخارج، بدون أي وقاية لهما، كانتا كبيرتين جدا كطبقين مقلوبين، وكنت أمشي فوقهما، أثقبهما ، أدهسهما، أدميهما، وأنا أتقدم بخطى ثابتة فوقهما. لم يكن هناك أي شيء جميل أو جيد مما تخيلته بشأنه، فلم أقل له أي كلمات لائقة في تخيلاتي بل أقوم بتمزيقه إربا في لحظة واحدة. كنت أحب أن أنزع رأسه من فوق كتفيه، مليئة باللحم وتقطر دما كالبطيخة، وأن أقطع أوصال جسمه، وأن أستعمل كل أنواع الأسلحة معه؛ الفئوس والمناشير والسكاكين والمطارق. لو كان بمقدوري مباغتته بهذه السكين، ليس لعمل شق صغير بجسده، بل فتحة كبيرة مثل التي يقومون بعملها في شجرة القيقب لاستخراج الشراب منها، كنت سأطعنه طعنة نافذة تخرج منه كل أنواع الصديد والمواد السامة التي ستتدفق وتسيل منه، ثم يتسرب كل شيء بعيدا. •••

سرت النيران في منزل ستومب تروي كسريان النار في الهشيم. مع مرور كل دقيقة بدا كما لو أنه سينفجر، لكن ما زالت جدران المنزل وسقفه متماسكة. أتت النار على جدران المنزل فجعلتها هشة مثل عيدان الحطب.

كان الناس يتصايحون: «سوف تتحول النار إلى السقف بعد ذلك! من حسن الحظ أن الرياح لم تهب اليوم!»

لم أستطع فهم لماذا كان هذا المنزل محظوظا، وكيف يمكن أن يكون هناك أي حظ في ذلك، المنزل الذي لم أجرؤ أو أرغب يوما في رؤيته تحول إلى حطام بكل بساطة كما لو كان منزلا في رسم على ورقة؛ ببابه الموجود في المنتصف ونافذتيه الصغيرتين على كلا الجانبين والروشن الموجود فوق الباب. كلتا نافذتي الطابق السفلي تحطمتا تماما، ليس بفعل النيران ولكن حطمهما هاوارد تروي وهو يحاول دخول المنزل، ولكن الرجال سحبوه إلى الخارج مرة ثانية. وها هو الآن يجلس على الأرض في مواجهة المنزل المحترق. كان منهكا بشدة، وعلى ما يبدو خارت قواه، كما كانت الحال وهو في المدرسة.

جاءت عربة الإطفاء التابعة للبلدية، ولكن في الوقت الذي جاءوا فيه لم يكن لدى رجال الإطفاء أي شيء ليفعلوه إلا أن يكونوا شاكرين لعدم هبوب الرياح. سحبوا سلالم الإطفاء ولكنهم لم يضعوها في أي مكان. كانوا قد استطاعوا بعد فترة من الوقت أن يحصلوا على بعض الماء من آخر صنبور إطفاء - وهذا كان بالطبع إلى خارج حدود البلدة - وقاموا برش بعض الأجنحة الملحقة بالمنزل التي كانت متهاوية بفعل النيران والسياج المحيط بالمنزل والحمام. كذلك سلطوا المياه على ألسنة اللهب المتصاعدة، ولكن كل هذا بدا مجرد سخف بلا طائل. وفجأة صاحت روبينا، التي كانت على درجة كبيرة من الإثارة: «ربما الأفضل أن تقفوا بعيدا وتبصقوا عليه!» كانت تنتفض وتصيح بصوت حاد، كانت هي نفسها أشبه بجمرة مشتعلة. كانت واقفة عند بوابة المنزل، حيث كانت شجرة زيتونية مهملة قد نبتت بها براعم الأزهار، براعم ناشئة، مع بدء ذوبان الجليد. كانت روبينا تبقيني بجوارها، أما أمي، التي جاءت بنا بالسيارة، فمكثت في السيارة بعيدا قليلا على الطريق. على الأرجح كانت تتفرج على ما يحدث، لكنها لم تعبأ بالاختلاط مع الناس.

كنت أنا أول من رأى النيران من نافذة غرفتي بالدور العلوي، رأيت شيئا جميلا، توهجا في أحد أركان المشهد الليلى الطبيعي، توهجا مختلفا عن إنارة أضواء البلدة، دافئا وآخذا في الانتشار. كان المنزل المحترق هو ما يطلق هذا الضوء، من خلال فتحاته ونوافذه.

المشكلة التي عانت منها روبينا، في اعتقادي، تمثلت في أنها لم تستطع فعل أي شيء بالنسبة لهذه النيران، لم تستطع أن تقود رجال الإطفاء. لقد حاولت هذا، ولكنهم بكل أسف استمروا في فعل ما كانوا يفعلونه، لم يكن أي منهم في عجلة. ولكن كان بإمكانها تصحيح المعلومات التي كان يتبادلها الناس حول المنزل.

هتف أحد القادمين متأخرا لمشاهدة النيران، قائلا: «لحسن الحظ لم يكن هناك أحد بداخله.»

Unknown page