150

ثم اجتمعوا فتحاوروا وتشاوروا بينهم، فقال أبو حارثة لوفده : «انظروا من جاء معه ، وغدا رسول الله آخذا بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة ، وعلي بن أبي طالب بين يديه ، وغدا العاقب والسيد بابنين لهما عليهما الدر والحلي ، وقد حفوا بأبي حارثة ، فقال أبو حارثة : من هؤلاء معه ؟ قالوا : هذا ابن عمه ، وهذه ابنته ، وهذان إبناها ، فجثا رسول الله على ركبتيه ثم ركع ، فقال أبو حارثة : جثا والله كما يجثو النبيون للمباهلة» .

(41)

وحين شاهد الوفد ورئيسه ذلك المنظر النبوي المجلل بالصدق والخشوع والثقة بنتائج المباهلة دخل الرعب إلى نفوسهم، فقال السيد رئيس الوفد: «ادن يا أبا حارثة للمباهلة ، فقال إني أرى رجلا حريا على المباهلة وإني أخاف أن يكون صادقا ، فإن كان صادقا لم يحل الحول وفي الدنيا نصراني يطعم الطعام . قال أبو حارثة : يا أبا القاسم لا نباهلك ، ولكنا نعطيك الجزية ، فصالحهم رسول الله على ألفي حلة من حلل الاواقي ، قيمة كل حلة أربعون درهما ، فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك»(1).

تجلى الموقف وخرج رسول الله (ص) منتصرا ظافرا ، وخرج الوفد يجر أذيال الخنوع والتسليم لارادة الحق. فروا من المباهلة ورضوا بالجزية مستفيدين من تسامح الاسلام وإقراره لاهل الكتاب على دينهم ، وهو ما صرح به الرسول (ص) في كتابه لهم : «إني أدعوكم إلى عبادة الله ، فإن أبيتم فالجزية ، وإن أبيتم آذنتكم بحرب» .

وبعد أن استقر الموقف بين الرسول (ص) وبين وفد النصارى ، كتب كتاب الصلح وأشهد على ذلك شهودا .

ويذكر المؤرخون أن الايهم وهو أحد أفراد الوفد أعلن إسلامه عند قدوم نجران وأقبل على بلاده وهو يعتنق الاسلام متأثرا بحادثة المباهلة ودلالتها على صدق النبوة .

Page 58