146

ثم واصل مسيره إلى مكة ، فلما قضى عمرته قفل (ص) راجعا إلى المدينة المنورة (1)، بعد أن عين عتاب بن أسيد واليا على مكة ، وعاد هو والمهاجرون والأنصار إلى المدينة المنورة ، كي يواصلوا مسيرة البناء والتغيير ، بناء المجتمع والدولة وتغيير الإنسان على ضوء المنهج العظيم .

غزوة تبوك والزحف على بلاد الروم

وفي هذا الوقت بالذات تواردت الانباء إلى الرسول القائد (ص) من أن الروم أعدوا العدة لغزو الاجزاء الشمالية من الجزيرة العربية ، التي تعتبر جزءا من الدولة الاسلامية .

فقرر الرسول (ص) أن يصدهم بنفسه .

وهكذا أصدر أوامره لاستنفار المسلمين في المدينة المنورة وخارجها ، فلم يدع قوما من الناس إلا أجابوه لذلك ، إلا أن المنافقين الاوائل ، أو ممن أظهروا الاسلام خوفا من سطوة المسلمين ، بعد فتح مكة ، راحوا يخلقون الاعذار ، حتى لا يخرجوا لقتال الروم .

وكان أهم عذر عندهم في ذلك ، شدة الحر ، وبعد المسافة بين المدينة وبلاد الروم ، وقد حكى القرآن الحكيم ، ما كانوا يتذرعون به من وسيلة ، منددا ومهاجما :

(وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ).( التوبة / 81 )

ولم يقف المنافقون عند هذا الحد ، بل راحوا يدعون الناس إلى التخلف عن الجيش الاسلامي، وأعدوا دارا لتجمعاتهم، فبلغ الرسول (ص) ذلك ، فأحرق عليهم الدار أثناء اجتماعهم ، ففروا هاربين ، حيث لقنهم بذلك درسا لقاء خيانتهم للاسلام .

سار جيش الاسلام بقيادة رسول الله (ص) ، وكان تعداده ثلاثين ألفا ، وقد سمي ذلك الجيش (جيش العسرة) لشدة الحر ، وبعد المسافة ، وقلة المؤونة ، ولكنه الجهاد وضرورة الامتحان لارادة الرجال ، ومستوى الايمان ومداه في النفوس .

Page 54